كردستان تصنع فرصها بثبات ونجاح.. لقاءات مغلقة ورسائل واضحة

مهند محمود شوقي

 

زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى الولايات المتحدة لم تكن بروتوكولا سياسيا معتادا. بدا واضحا منذ اللحظة الأولى أن الرجل جاء إلى واشنطن بنية ترسيخ موقع كردستان في خارطة العلاقات الدولية، لا لتسجيل حضور دبلوماسي والسلام على بعض المسؤولين.

في توقيت حساس تمر فيه المنطقة والعالم بتقلبات غير مسبوقة، بدت الزيارة وكأنها محاولة ذكية لاقتناص لحظة سياسية. كردستان، برؤية بارزاني، لا تريد أن تكون رقما هامشيا في معادلة معقدة، بل فاعلا له كلمة ومكان في الطاولة.

بارزاني التقى عددا من صناع القرار الأميركيين في الخارجية، البنتاغون، والكونغرس. وبحسب مصادر قريبة من اللقاءات، فقد طُرحت ملفات تتعلق بالأمن، الطاقة، والاستثمار، لكن اللافت كان الطريقة التي قدّم بها بارزاني وجهة نظره: من دون لغة متشنجة، وبخطاب أقرب إلى الواقعية السياسية من الشعارات.

قالها بوضوح: كردستان ليست جزءا من المشكلة، بل من الحل. هذا الطرح يجد صدى متزايدا في واشنطن، خاصة في ظل الحاجة الأميركية إلى شركاء محليين موثوقين، وسط تراجع النفوذ التقليدي.

إن أرادت كردستان أن ترسّخ نفسها كلاعب إقليمي موثوق، فعليها أن تواصل هذا النهج: بناء الثقة، تعزيز الشراكات، والرهان على الاستقرار بدل النزاعات. فالعالم لا ينتظر كثيرا، والسياسة لا ترحم من يتردد

وبعيدا عن الشعارات، حملت الزيارة اتفاقيات اقتصادية مهمة، أبرزها مع شركتي HKN وWestern Zagros، بقيمة مليارية. قد تبدو أرقاما في ظاهرها، لكنها في العمق تعني شيئا أكبر: استثمارا طويل الأمد في استقرار كردستان، وتعزيز ثقة المستثمرين بإقليم يملك مقومات النمو.

أحد التنفيذيين في الشركة الأميركية علّق بالقول “نحن نراهن على كردستان ليس كموقع جغرافي، بل كمجتمع يُدير نفسه بعقلانية.” هذه الجملة تختصر الكثير من الرسائل غير المعلنة.

لكن لا يمكن الحديث عن نجاحات كردستان من دون الاصطدام بجدار بغداد. العلاقات بين المركز والإقليم ما زالت تدور في حلقة مفرغة، عنوانها: النفط والدستور. المادة 112 لا تزال تُستخدم كعصا سياسية ضد الإقليم، رغم أن النص الدستوري يتحدث عن “إدارة مشتركة”.

بارزاني لم يُخفِ ذلك خلال زيارته. أوضح للمسؤولين الأميركيين أن كردستان لا تنوي التصعيد، لكنها أيضا لن تتنازل عن حقها في إدارة مواردها ضمن إطار اتحادي، لا مركزي مفرغ من مضمونه.

من أكثر ما يميّز زيارة بارزاني إلى واشنطن هو أنه لم يتحدث كثيرا في الإعلام، وترك الفعل يتكلم. لم نسمع عن مؤتمرات صحفية أو تصريحات نارية. اكتفى بلقاءات مغلقة ورسائل واضحة من خلال الأفعال.

هذه المقاربة أثمرت على ما يبدو. إذ نقل أكثر من مصدر أميركي ارتياحا للطريقة التي تُدار بها ملفات كردستان، مقارنة بضجيج قوى أخرى في العراق لا تملك سوى رفع الصوت من دون نتائج.

ختاما، زيارة مسرور بارزاني إلى واشنطن ليست نقطة فاصلة بحد ذاتها، لكنها قد تكون بداية لمرحلة جديدة إذا ما أحسن الإقليم استثمارها. ليس المهم ما قيل في اللقاءات، بل ما سيتبعها من خطوات حقيقية على الأرض.

إن أرادت كردستان أن ترسّخ نفسها كلاعب إقليمي موثوق، فعليها أن تواصل هذا النهج: بناء الثقة، تعزيز الشراكات، والرهان على الاستقرار بدل النزاعات. فالعالم لا ينتظر كثيرا، والسياسة لا ترحم من يتردد.

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…