ما بعد الحقيقة: بين رؤيا الأستاذ شكري بكر في منشوره الصباحي وواقع المسألة الكردية

شيرزاد هواري
يسعد صباحكم،
قرأت بتمعّن ما كتبه الأستاذ شكري بكر، وهو طرح لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، لما يحمله من تأمل عميق في مصير الشعب الكردي، وما يطرحه من أسئلة حارقة تتعلق بالحقيقة، والسياسة، والبقاء.
هل ما بعد الحقيقة أمر ما؟
سؤال يفتتح به الأستاذ مقاله، وكأنه يدعونا إلى تجاوز ما نعرفه، أو نظن أننا نعرفه، حول الذات والقضية. لكن الحقيقة – كما تفضل – “تكمن في الحياة، والحياة تضمن البقاء”، وهنا تبدأ المعضلة الكردية بالانكشاف: هل نحن نعيش كأمة باقية، أم كأثر حيّ على قيد الزوال؟
في الواقع، وجود الشعب الكردي لم يكن يومًا وجودًا تلقائيًا أو عابرًا، بل كان دائمًا وليد صراع، وتشبّث بالهوية، وبحث دائم عن المعنى والحق والمكان. فالبقاء، كما أشار، لا يحدث بقرار طبيعي فقط، بل يحتاج إلى مشروع سياسي، وإرادة جمعية، وأفق تاريخي واضح.
بين السياسة والبقاء
أصاب الأستاذ شكري حين أشار إلى أن “الشعوب تتطور والسياسة تتغير حسب مصالح القائمين عليها”، وهنا تكمن أزمة السياسة الكردية، التي في كثير من مراحلها، لم تكن في مستوى التحدي التاريخي للشعب الذي تمثله. فحين تسبق مصلحة الحزب مصلحة الأمة، يصبح النضال شكلاً من أشكال إدارة الأزمات، لا مشروعًا للتحرر.
لكن لا بد من التفريق: ليس كل السياسيين الكرد “يعيشون على أنقاض الشعب”، رغم أن بعضهم كذلك. كما أن بعض المثقفين، وإن انشغلوا بالمصالح الحزبية، فإن آخرين لا يزالون يحملون قلقًا أصيلًا على القضية، ويحاولون، رغم الصعوبات، الحفاظ على الأمل وعلى البوصلة الأخلاقية.
غياب المشروع القومي العادل
نعم، هناك غياب مؤلم لمشروع قومي كردي موحد ومنصف. وهذا الغياب لا يتعلق فقط بالمؤامرات الخارجية أو بالأنظمة القمعية، بل يرتبط أيضًا بأسباب ذاتية: من ضعف البناء المؤسسي، إلى الانقسام الحزبي، إلى شيوع خطاب الصراعات الداخلية بدل خطاب التحرر الوطني.
لكن هل نقف عند هذه الحقيقة فقط؟ أم نبحث، كما تساءل الأستاذ شكري  عن أمر آخر “ما بعد هذه الحقيقة”؟
ما بعد الحقيقة… ليس جهلاً، بل مسؤولية
ما بعد الحقيقة ليس شيئًا نجهله بالضرورة، بل هو وعي جديد نحتاجه. وعي يخرج من رحم النقد الصادق، لكنه لا يستسلم للخيبة، بل يبحث عن مخرج: عن جيل جديد لا يكرر أخطاء من سبق، وعن خطاب يتجاوز مصالح الفصائل إلى مصلحة الأمة، وعن مشروع قومي يُبنى على العدالة، لا على الإقصاء، وعلى الشراكة مع الآخر، لا على قطيعة مستمرة مع الجميع.
ختامًا، تحية صادقة للأستاذ شكري على هذا الطرح المحفّز. نعم، ما زالت الحقيقة جرحًا، لكن ما بعد الحقيقة يمكن أن يكون بداية للشفاء، إذا ما قررنا أن نكون أوفياء للقضية لا للأطر الضيقة، وللمستقبل لا للماضي فقط.
وللشعب الكردي نقول: البقاء ليس هبة، بل خيار يجب أن يُصنع بإرادة واعية، ومشروع جامع، وقلب لا ينسى من أين أتى، ولا يضيع وجهته نحو الحرية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…