الشروط الأميركية وخريطة السيطرة على سوريا

طلال محمد

في آذار الماضي، وبعد حراك سياسي وعسكري مفاجئ داخل الأراضي السورية، قدمت الولايات المتحدة قائمة من ثمانية مطالب ستراتيجية إلى الحكومة السورية الجديدة التي بدأت تتشكل بقيادة أحمد الشرع، الذي كان يعرف سابقاً باسم محمد الجولاني، قبل أن يُجري تحولاً في مواقفه وخطابه السياسي، ويتجه نحو لعب دور سياسي انتقالي في مرحلة ما بعد الأسد.

ورغم ماضيه المعقد، فإن التحولات التي شهدها أحمد الشرع، وظهوره لاحقاً بمظهر رجل دولة يسعى إلى استرضاء القوى الإقليمية والدولية، جعلت منه شريكاً مقبولاً – أو على الأقل مؤقتاً – في خطة إعادة ترتيب المشهد السوري، وقد جاءت المطالب الأميركية بمثابة دفتر شروط صارم، يهدف إلى ضبط ملامح المرحلة المقبلة، ويمنح واشنطن أداة تأثير مباشرة في مسار التحول السياسي، من دون الانخراط العسكري الكامل.

لكن هذه المطالب لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع لتحول النظرة الأميركية إلى سوريا. فمنذ كانون الأول 2015، بدت إدارة أوباما وكأنها تتنازل فعلياً عن الملف السوري لصالح روسيا وإيران، رغبة منها في إعادة التموضع والتركيز على المواجهة الاقتصادية مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إلا أن هذا الانسحاب ترك فراغاً استغلته طهران وموسكو، ما أدى إلى تعقيد المشهد الأمني والإقليمي.

مع تغيّر الأولويات الأميركية لاحقاً، وتنامي الوجود الصيني في الشرق الأوسط، بدأت واشنطن تعود تدريجياً إلى الملف السوري بمنطق جديد وهو ضبط التحول السياسي من خلال أدوات مشروطة، بدلاً من الانخراط المباشر.

في هذا السياق، جاء اللقاء المفاجئ الذي جمع أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض، في منتصف أيار الجاري، ليشكّل محطة مفصلية في محاولة تثبيت التفاهمات. وبحسب مصادر دبلوماسية، كان اللقاء “تنسيقياً” بالدرجة الأولى، وتركّز حول آليات تنفيذ المطالب الأميركية وضمان التزام الحكومة السورية الجديدة بها، مع بحث إطار إقليمي يضمن مشاركة السعودية وتركيا في عملية التهدئة السياسية والعسكرية.

أما المطالب الثمانية الأميركية فتتمثل في:

-محاربة الإرهاب والتعاون الدولي، والسماح بتنفيذ عمليات ضد الجماعات المتطرفة داخل سوريا.

-منع النفوذ الإيراني وقطع الطريق أمام التمدد الأمني والعسكري لطهران.

-إزالة الأسلحة الكيميائية المتبقية وضمان عدم استخدامها.

-تعيين منسق رسمي لقضية الصحفي الأميركي أوستن تايس.

-إصدار إعلان بحظر الميليشيات الفلسطينية داخل سوريا، خاصة تلك التي تهدد الأمن الإسرائيلي.

-استلام عائلات مقاتلي داعش من معسكر الهول بإشراف دولي.

-تشكيل جيش مهني ووطني دون مشاركة مقاتلين أجانب.

-تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.

رغم حساسية بعض هذه البنود، لاسيما تلك التي تمس السيادة أو تُدخل دمشق في محور سياسي مناوئ لطهران، فإن الشرع أبدى استعداداً للتفاوض، مع إعطاء الأولوية للملفات التي تُسرّع من رفع العقوبات، وتفتح أبواب التمويل الدولي لإعادة الإعمار.

يمكن القول إن هذه المطالب ليست فقط خارطة طريق للانتقال السياسي، بل آلية أميركية لفرض شروط الهيمنة غير المباشرة على سوريا المستقبل. ومن يعتقد أن تغيير النظام يعني تحرر القرار السوري، فهو يتجاهل أن كل انتقال سياسي اليوم في المنطقة يتم برخصة دولية، وتحديداً أميركية.

وإذا كانت دمشق قد خرجت من عباءة الأسد، فهي اليوم تدخل في خريطة معقدة من الاشتراطات، حيث من يقود الشرق الأوسط لا بد أن يُمسك بمفاتيح سوريا.

=============

المصدر: روداو

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…