صلاح بدرالدين
من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان أصدقاء وحلفاء صادقين من الحركتين الوطنيتين اللبنانية والفلسطينية وقفت معنا كحركة كردية سورية ، ومع كل الاحرار الذين لجؤوا الى تلك الواحة الوافرة الظلال خلال المحن ، هربا من الأنظمة الاستبدادية بالمنطقة .
لم يتوقف الامر علينا فقط ككرد سوريين من أعضاء ومؤيدي ( حزب الاتحاد الشعبي – سابقا ) بل استجبنا لطلبات الاشقاء من ايران ، وتركيا بشكل خاص من جانب ( حزبي ديموقراطي كوزدستان ايران ) و ( حزب عمال كردستان – تركيا بقيادة الراحل عمر جتن ) أي قبل ظهور – ب ك ك – الذي استولى على اسم ذلك الحزب في مابعد ، وكذلك الاشقاء في العراق ولو بشكل اقل لانهم اختاروا دمشق مثل سائر الفصائل العراقية المعارضة آنذاك .
وقد افتتحنا لممثلي الحزبين الشقيقين من ( ايران وتركيا ) مكاتب ، وسخرنا لهم مكاتبنا أيضا ، حيث كانوا يمارسون النشاط الإعلامي والعلاقات السياسية باسم حزبيهم ، ويخضعون لدورات تدريب من جانب الأصدقاء من منظمة التحرير الفلسطينية .
كان احد ممثلي الحزب الكردي الإيراني الشقيق ( خسرو ) شابا نشطا ذكيا مفعما بالحيوية يتكلم الإنكليزية بطلاقة ، وفي عام ١٩٨٢ عندما اشتد الحصار الجوي والبري والبحري الإسرائيلي على بيروت ، بدأ كاك خسرو بتشغيل جهازه اللاسلكي يستمع الى المكالمات ، والبرقيات اللاسلكية وذلك كهواية وتمضية للوقت ، حيث كانت تملأ الجو بسبب انقطاع الاتصالات التلفونية ، وبمحض الصدفة استطاع التقاط المكالمات من بارجة حربية إسرائيلية كانت في عرض البحر مقابل الشواطئ اللبنانية المكلفة بحصار بيروت ، ثم بدأ بالمحادثة مع موجة البارجة وكنت حاضرا استمع ، وبدأ يسال : لماذا تقصفوننا ؟ لماذا تحاصروننا ؟ فكان الجواب : سنقضي على الإرهابيين ونحاصرهم ، فرد عليه خسرو : ولكن هناك في بيروت مئات الالاف من المقيمين والزائرين لاعلاقة لهم بماتسميه بالإرهاب ، ثم سال : وهل انت مقيم ام زائر ام سائح ؟ فأجاب خسرو انا كردي من ايران ومعارض ، واناضل في سبيل قضيتي ومن اجل حقوقي ، وبيروت ملجأ لجميع احرار المنطقة ، واذا كنتم تعتبرون منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية فهي بعكس ذلك تساند احرار المنطقة ، ثم لماذا لم تعترفوا بحقوق الشعب الفلسطيني ؟ فأجاب : من العار عليكم ان تؤيدوا عرب لبنان وفلسطين ، والعرب جميعا أعداء الكرد ، وإسرائيل هي صديقة الكرد ، فكان رد خسرو : إسرائيل لم تقدم اية خدمة للقضية الكردية ، بل خانت ثورة الملا مصطفى بارزاني ، الم يكن هنري كيسنجر من جماعتكم الذي باع كردستان العراق ؟ كما افهم إسرائيل تسعى لاستغلال الاقوام الأخرى لاثارة الفتنة بين الجميع ، فأجاب : هناك أمور لااعرفها فانا عسكري وساسال قيادتي بخصوص ثورة البارزاني ، وكيسنجر ، وموقف إسرائيل ( اعتقد مازال خسرو بانتظار جواب القبطان ) .
خلال أيام وليالي شهور الحصار كان خسرو يثابر على التواصل مع محدثيه من البارجة الحربية الإسرائيلية ، وبالرغم من الاختلاف الشديد بالاراء والمواقف الا ان التواصل كان مستمرا في حدود الاحترام المتبادل كما افهمني خسرو ، حتى اطباق الحصار نهائيا ، واضطرارنا جميعا الى المغادرة .
قررنا منح الأولوية لتسهيل رحيل ضيوفنا من الاشقاء ، وبعد انجاز ذلك غادرت مع رفاق آخرين ، ولدى توديع – خسرو – قال : ماموستا إسرائيل هي السبب في رحيلنا وخسرنا موقعا استراتيجيا هاما في نضالنا ، واذا كانت إسرائيل تدعي مناصرة ( الأقليات ) حسب تعبيرها ( رغم اننا جميعا نمقت هذا المصطلح ) فلماذا تلحق الضرر بنا ؟! ، كان ذلك عام ١٩٨٣ أي قبل ( ٤٢ ) عاما ، والسؤال هل تغيرت استراتيجية وطبيعة نظام إسرائيل في هذه المدة ؟ .
حسب ظني هناك مقولتان خاطئتان دارجتان الان لدى البعض :
المقولة الأولى : عندما يوصف انصار حركة حماس في غزة الحكومة الإسرائيلية ومن باب الاتهام والادانة بانها حكومة يمينية متطرفة توراتية ، ويتناسون ان غزة ليست بعهدة – لينين او نيلسون مانديلا – بل تقاد من حركة يمينية متطرفة متزمتة .
المقولة الثانية : عندما يهلل البعض للتدخل الإسرائيلي في سوريا التي تحررت حديثا من اكثر النظم الاستبدادية اجراما ، بذريعة القضاء على الإدارة الانتقالية الحاكمة التي يوصفها ذلك البعض ( بالدينية الإرهابية ) متناسين ان إسرائيل لايحكمها الان ( كارل ماركس ولا ليون تروتسكي ، ولا روزا لوكسومبورغ ) بل تقاد من اكثر التيارات الدينية المتطرفة في المنطقة .
او ليس من وظيفة النخب تصحيح مثل هذه المفاهيم ؟