جبهة أولي البأس: مقاومة مستقلة أم واجهة إيرانية؟

عدنان بدرالدين

 

في ظل المتغيرات المتسارعة في الجنوب السوري، برزت إلى السطح في الأشهر الأخيرة منظمة جديدة تطلق على نفسها اسم “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس”، وقد تبنّت عمليات ضد التوغل العسكري الإسرائيلي في ريفي درعا والقنيطرة. ورغم غموض التشكيلة القيادية لهذه الجبهة، تشير المعطيات إلى وجود يد إيرانية خفية تقف وراء تأسيسها، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء محليين.

الجبهة، التي يُعتقد أنها تأسست أواخر 2024 تحت اسم “جبهة تحرير الجنوب” قبل أن تغيّر اسمها مطلع 2025، تُقدّم نفسها على أنها حركة مقاومة مستقلة. إلا أن الخطاب المستخدم، والتوقيت، وطبيعة المناطق التي تنشط فيها، تجعل من الصعب فصل نشأتها عن حاجة إيران إلى أدوات جديدة تعوّض بها خسارتها الكبرى في سوريا بعد انسحاب ميليشياتها وهزيمة النظام الذي دعمته.

من بين أبرز الفاعلين المحتملين في هذه الجبهة، وفقًا لبعض التقارير، يبرز الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يبدو أنه دخل فعليًا في غمار هذه المغامرة الجديدة. والمفارقة هنا جديرة بالتأمل: فالحزب الذي يتسم بطابعه العلماني والقومي الخالص، والذي لطالما افتخر باستقلاله عن التيارات الإسلامية، يجد نفسه اليوم طرفًا مرجحًا في جبهة ذات طابع إسلامي عقائدي. هذا رغم أن الحزب نفسه نشأ في ثلاثينيات القرن الماضي على يد أنطون سعادة، وتمتع بحضور قوي في الأوساط المسيحية في كل من لبنان وسوريا، كما أنه لطالما رفع شعار “سوريا الكبرى”، ونظر إلى “الأمة” من زاوية مدنية – قومية، لا دينية – طائفية.

تاريخه المتشابك مع حزب البعث – من الاغتيالات المتبادلة إلى التحالفات المتأخرة – لا يقل تعقيدًا عن انخراطه المحتمل في جبهة محسوبة ضمن محور إيراني الطابع والاتجاه. وقد لا يكون دخوله في هذا المشروع إلا محاولة لوراثة القاعدة الشعبية البعثية التي تفككت بعد الحرب السورية، خاصة مع غياب أي مشروع جاد لإعادة تأهيل البعث نفسه.

غير أن هذا الرهان يبدو، في جوهره، قائمًا على وهم سياسي متقادم. فالمشروع القومي العربي دخل طور التراجع منذ وفاة جمال عبد الناصر، وتعمّق إخفاقه مع فشل محاولات التوحيد بين الأنظمة العروبية، وتفجر الصراع بين بعثيي بغداد ودمشق، ثم جاءت نكسة بيروت عام 1982 لتشكّل نقطة الانكسار الرمزية الكبرى، عندما انهارت المقاومة الفلسطينية في قلب العاصمة اللبنانية رغم دعم سخي من تيارات قومية مثل أنظمة صدام حسين وحافظ الأسد ومعمّر القذافي. لقد كانت تلك الهزيمة بمثابة الصفعة الأخيرة التي أفقدت المشروع القومي زخمه وقدرته على التأثير الجماهيري.

لذلك، فإن محاولة إيران إعادة تدوير الحركات القومية أو غير الشيعية ضمن مشروعها السياسي تمثل مرحلة جديدة من البراغماتية الإيرانية. لقد أدركت طهران أن التمدد الشيعي الحصري لم يعد ممكنًا، خاصة في بيئات سنية معادية تقليديًا لها، فبدأت الرهان على واجهات غير شيعية – دينيًا أو حتى قومية الطابع – لتجاوز الحساسيات الطائفية.

في هذا السياق، لا تُعد جبهة “أولي البأس” مجرد فصيل مقاوم جديد، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المشروع الإيراني على التكيّف بعد الهزيمة. والسؤال المطروح هو: هل تستطيع إيران أن تنجح في بناء تحالفات خارج نطاقها الأيديولوجي والطائفي؟ أم أن هذه المحاولة ستنضم إلى سلسلة الإخفاقات التي لاحقتها في مرحلة ما بعد “سوريا الأسد”؟

الإجابة ستتضح مع مرور الوقت، لكن المؤكد حتى الآن أن إيران لم تعد تملك ترف الاعتماد الحصري على أدواتها التقليدية. وهذا بالذات ما يجعل من تجربة “أولي البأس” ظاهرة تستحق التوقف عندها والتأمل في دلالاتها.  

16 نيسان 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…