صلاح بدرالدين
هناك من يرى ويعتقد ان الدولة التركية ربطت مصير كرد سوريا ورهنته بنتائج المفاوضات بينها وبين زعيم حزب العمال الكردستاني – عبدالله اوجلان – ، والاصح وقبل ذلك كان وراء هذا الربط القسري قرار مركز قنديل بدعم إيراني – كردي عراقي ، ورغبة نظام الأسد ، وكان لكل طرف دافع خاص ، ومصلحة مشتركة بنهاية المطاف .
مركز قنديل كقيادة وحيدة للعمال الكردستاني بعد اعتقال اوجلان كان ولكونه حينذاك احد أعضاء محور المقاومة المكون من ايران وسوريا وحزب الله اللبناني وعضوية حركة الحوثي اليمني ، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين ، وفصائل الحشد الشعبي العراقي ، بصدد أداء واجبه في حماية نظام الأسد خاصة بعد محادثات ناجحة بين مبعوث الأسد – اللواء آصف شوكت –وقيادة مركز قنديل عام ٢٠١٢ بعد انقطاع لسبعة وعشرين عاما منذ طرد اوجلان من سوريا في ( ٩ \ ١٠ \ ١٩٩٨ ) حيث احتضنه نظام حافظ الأسد ووفر له الحماية ووسائل محاربته لتركيا اكثر من خمسة عشر عاما ، ، وكذلك تلقف تلك الهدية الثمينة ؟! في استلام المناطق الكردية السورية الغنية بالنفط والغاز والخيرات وسهولة الانتقال من هناك الى جبل سنجار لاحقا ، وتامين مصدر تمويلي إضافي تجاوز المليار دولار حتى الان ، لم يكن يحلم به احد ، ثم التمركز في جبال منطقة عفرين الحصينة المواجهة لتركيا ، وأخيرا وليس آخرا تأمين ( ب ك ك لاند ) آخر كبديل محتمل لقنديل قادم الأيام ، وبذلك وبسبب سوء تقدير ، او لسبب آخر لانعلمه وضع – ب ك ك – ذريعة منطقية أضافية في ايدي الحكومة التركية للانطلاق منها في مواجهة مسلحي هذا الحزب المنتشرين في جغرافية الكرد السوريين ،على حدودها الجنوبية ، واصبح المتضرر الوحيد كرد سوريا وقضيتهم التي ازدادت تعقيدا بفعل ذلك التصرف اللامسؤول .
اما نظام ايران فهو عمليا من يقود – محور الممانعة – ويرسم الاستراتيجية العامة ، ويفي بالالتزامات العسكرية ، والمالية من اجل الحفاظ على سوريا كموقع هام جدا ، ونظام الأسد الذي يمر بمرحلة صعبة بعد اندلاع الثورة السورية ، لذلك كان – قاسم سليماني – يتابع الموضوع عن كثب من السليمانية .
وكان لزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني المرحوم الرئيس جلال الطالباني دوره في إنجاح المشروع ، حيث كان على تواصل مع – بشار الأسد – وقام قبل ذلك بزيارة – القرداحة – للاجتماع بالعائلة ، وكان حينذاك بالإضافة الى موقعه الرئاسي ، مسؤولا عن العلاقة مع النظام السوري من جانب التحالف بين حزبه والحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، وكان دافعه الأساسي كما يعتقد هو تنفيذ وعده للاسد بابعاد الكرد السوريين عن الثورة ، ومن جهة أخرى ليس من المستبعد انطلاق بعض الأحزاب الكردية العراقية من مقولة ( ابعد عن الشر وغنيلو ) أي اخراج مقاتلي ب ك ك من كردستان العراق للتخلص من شرورهم اما اين يذهبوا فليس مهما لهم .
النظام السوري الذي اوفد رئيس المخابرات العسكرية – آصف شوكت – عام ٢٠١٢ الى السليمانية للقاء قيادة مركز قنديل ، حيث اتفق الجميع على نقل مسلحي – ب ك ك – الى المناطق الكردية السورية خصوصا جبل الاكراد – عفرين ، لتوجيه الكرد السوريين نحو مواجهة تركيا بدلا من المشاركة بالثورة السورية ضد نظام الأسد .
لقد أبلغت شخصيا عشرات المرات الأخ الرئيس مسعود بارزاني شفويا ، وكتابيا عن خطورة الموضوع ، كما كتبنا ونشرنا واصدرنا العشرات من التحذيرات منذ بداية الثورة السورية باسم حراك ” بزاف ” ومئات المقالات ، والبوستات باسمي من مغبة ربط القضية الكردية السورية بصراع ب ك ك مع تركيا او باية اجندات خارجية أخرى ، لاسباب عديدة أولها ان الموقع الحقيقي تاريخيا وجغرافيا ، ومبدئيا ، وسياسيا لكرد تركيا وحركاتهم هي تركيا وكردستان تركيا وليس ديريك ولا قامشلو ولا عفرين ، ولا كوباني – عين العرب – ولا حي الشيخ مقصود ، ولا الرقة ، ولا دير الزور ، ولا الحسكة ، وثانيها ان قضية الكرد السوريين لاتحل في انقرة او طهران او بغداد بل في دمشق ، وضمن النضال الوطني السوري ، وثالثها لانريد سفك المزيد من دماء بناتنا وابنائنا او تسخيرهم في غير ساحتنا الأساسية وتحت اية شعارات كانت ، ورابعها ان الكرد السوريين لايتحملون الأعباء المضاعفة وهم منوطون بنضالهم السلمي المدني والحوار مع الإدارة الانتقالية في دمشق مابعد اسقاط الاستبداد حول مستقبل سوريا ونظامها السياسي ، وحل القضية الكردية ضمن الاطار الوطني .
من الواضح ان مسؤولي مركز قنديل ، والمشرفين الحاليين على تنظيمات ب ك ك ، والتشكيلات العسكرية في سوريا هم المتورطون في ربط الملف الكردي السوري بالصراع مع تركيا قبل نحو أربعة عشر عاما ، واعتبروا ذلك نجاحا منقطع النظير ، وانتصارا لنهج القائد المؤسس ( الثوري جدا ) الذي يقضي بإزالة الاخر المختلف في الحركات الكردية بكل الأجزاء ، واعتبارهم خونة ، ثم الحلول محلهم ، هذا ماكان يراد لإقليم كردستان العراق الفيدرالي خلال نحو ثلاثين عاما ، ، وماتحقق بكل اسف ( حتى الان ) في مصادرة قرار الكرد السوريين ، وهم يشعرون الان بالندم وكمن وقع بالفخ بعد التعقيدات التي تلف الان مسالة قرار حل ب ك ك وتسليم السلاح ، والجدال الدائر بشان : ( هل قرر اوجلان حل قسد ام لا باعتبارها فرعا من الحزب الام مثل حزب الاتحاد الديموقراطي ب ي د او التشكيلات العسكرية التابعة ، او منظومة المجتمع الكردستاني ؟! ) ، نعم لقد دفعتهم هذه – الخطيئة – ( وقد تكون مدروسة ) الى تقديم الاعتذار لتركيا عبر القنوات السرية ، وإعلان الندم ، والاستعداد للتفاهم أي تقديم التنازلات من جانب واحد من دون أي تجاوب من الجانب الاخر .
ويتزامن هذا التطور مع تحسن العلاقات بين دمشق والولايات المتحدة الامريكية وأوروبا عموما بالإضافة الى البلدان العربية وتركيا بطبيعة الحال ، ودخول العهد الجديد الى التحالف الدولي لمحاربة داعش ، مما قد يعاد النظر نهائيا في مسالة استمرارية – قسد – والمسميات الأخرى على ماهي عليه .