داعش وفزعات الجيش العربي السوري .!

 

عنايت ديكـو

 

لم يكن الهجوم الذي نفّذه أحد عناصر تنظيم داعش، العامل ضمن ما يُسمّى بـ ” الأمن العام ” للجيش العربي السوري، على وحدة عسكرية أمريكية حادثاً عابراً، بل شكّل زلزالاً سياسياً وأمنياً كشف المستور وأسقط أقنعة كثيرة.

هذا الهجوم أعاد تعريف المشهد السوري قسراً وبشكلٍ كامل وخَلَطَ الكثير من الأوراق التركية، وحوّل قوات سوريا الديمقراطية من قوة تُعرف وتصَنَّف بالجهوية والمناطقية والاتهامات الرخيصة، إلى قوة سورية عامة ذات شرعية فعلية، توازي الجيش العربي السوري نفسه من حيث الوزن والتأثير والاعتراف الدولي.

فالاعتداء الداعشي على القوات الأمريكية في تدمر، أسقط دفعة واحدة كل الأكاذيب التي رُوّجت ضد قوات سوريا الديمقراطية، وفضح الحملات الممنهجة التي حاولت تصويرها كقوة مشبوهة أو هامشية، بينما كان الإرهاب الحقيقي يخرج من عباءة من يدّعون “السيادة” و“الوطنية”.

في تدمر، لم يُستهدف الأمريكيون فقط، بل انهارت معها سردية كاملة بُنيت على التخوين والافتراء. ومن رحم هذا الهجوم، خرجت قوات سوريا الديمقراطية رقماً ثقيلاً لا يمكن شطبه من معادلة التوازنات السورية، مدعومة بتحالف دولي واسع لمكافحة داعش، تحالف بات أكثر رسوخاً ووضوحاً من أي وقت مضى.

هذا التحوّل أجبر الحكومة الإسلامية في دمشق، رغماً عنها، على التراجع وتقديم تنازلات موجعة، والاعتراف بقوات سوريا الديمقراطية ككتلة مستقلة قائمة بذاتها، لا كملحق ولا كفصيل تابع، بل كقوة مفروضة على طاولة المستقبل السوري، ضمن أي صيغة قادمة لبنية الجيش.

ولم يبقى أمام الفصائل المسلحة والعشائر وراعيي “الفزعات” سوى ابتلاع ألسنتهم، بعد أن سقط خطاب التهديد والاستقواء بتركيا، والانتقال مكرهين إلى تبنّي لغة الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية، بعدما أثبتت الوقائع أن تجاهلها أو كسرها لم يعد خياراً، بل وهماً سياسياً خطيراً.

——————

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين هناك من يرى ويعتقد ان الدولة التركية ربطت مصير كرد سوريا ورهنته بنتائج المفاوضات بينها وبين زعيم حزب العمال الكردستاني – عبدالله اوجلان – ، والاصح وقبل ذلك كان وراء هذا الربط القسري قرار مركز قنديل بدعم إيراني – كردي عراقي ، ورغبة نظام الأسد ، وكان لكل طرف دافع خاص ، ومصلحة مشتركة بنهاية المطاف . مركز…

ميداس آزيزي   تدخل الدول، عقب انهيار الأنظمة الاستبدادية، مرحلة مفصلية يفترض أن تؤسّس لقطيعة حقيقية مع الماضي، لا تقتصر على تغيير الأشخاص، بل تطال البُنى السياسية والمؤسساتية والعقلية التي حكمت المجتمع لعقود من الزمن. غير أن المسار السوري، بدل أن يتجه نحو هذا التحول الجذري، يجد نفسه اليوم مثقلًا باستحقاقات انتقالية مؤجلة، ومواجهًا لتحديات معقدة تهدد بإعادة إنتاج أنماط…

نظام مير محمدي* في عتمة السجون الرهيبة التابعة للنظام الإيراني القمعي، حيث تحولت حبال المشانق إلى أداة يومية للترهيب، استحال السجن الذي أرادوه مقبرةً للأصوات إلى قلبٍ نابض بالاحتجاج ومركزٍ للمقاومة. إن حملة “ثلاثاءات لا للإعدام”، التي أطلقها السجناء السياسيون الشجعان في فبراير ٢٠٢٤، تستمر الآن في أسبوعها التاسع والتسعين، ممتدةً لتشمل ٥٥ سجناً في كافة أنحاء…

  فيصل يوسف عند البحث في مسببات الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقتنا وتستنزف مقدراتها، تتبدى أمامنا خيوط واضحة تشد حاضرنا المعقّد إلى الماضي قبل أكثر من قرن، عبر اتفاقية سايكس – بيكو. فمازلنا نشهد صراعات حدودية مزمنة، وحروباً أهلية تنهش النسيج المجتمعي، وأنظمة حكم عاجزة عن استيعاب التنوع، وسياسات استهداف منهجي للهويات الثقافية والقومية؛ وكلها ظواهر تتكرر بأشكال متعددة، لكنها…