إيران.. حقوق الإنسان!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو يوم للتعبير العملي عن احترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية لجميع الأفراد. أي شكل من أشكال عدم احترام هذه الحقوق، سواء كان من قبل الأفراد أو الحكومات، يُعد انتهاكًا صارخًا للمبادئ الإنسانية. هذا اليوم هو ملك للشعوب التي لم تعد ترغب في أن يقرر مصيرها التعذيب والإعدام والكبت والرقابة. في تاريخ إيران، كان هناك العديد من الشهداء الذين صرخوا أو كتبوا قبل استشهادهم: “نحن نكتب تاريخ حقوق الإنسان بدمائنا”. هذه الكلمات ليست مجرد رمز للمقاومة، بل هي تذكير مرير بالمعاناة المستمرة للشعب الإيراني.

في إيران

في إيران اليوم، أصبح انتهاك حقوق الإنسان أمرًا يوميًا. فالحكام في هذه الأرض يدوسون على الحقوق الإنسانية للشعب كل يوم. ووفقًا لتقارير موثوقة من منظمات حقوق الإنسان، تم إعدام أكثر من 335 سجينًا في شهر نوفمبر 2025 وحده – وهو رقم يُعد من بين أعلى المعدلات الشهرية في العقود الأخيرة. غالبًا ما تتم عمليات الإعدام هذه دون محاكمة عادلة وبهدف نشر الخوف في المجتمع. كما تستمر الاعتقالات واسعة النطاق؛ فكل عام يُعتقل مئات الآلاف لأسباب سياسية أو اجتماعية، ويخضع العديد منهم للتعذيب. حتى قبور السجناء السياسيين الذين قُتلوا في الثمانينيات يتم تدميرها. وكما أكدت ماي ساتو، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في إيران: “إن تدمير مثل هذه الأماكن يعد انتهاكًا للقوانين الدولية ويزيد من عمق معاناة عائلات الضحايا”. هذه الإجراءات لا تستهدف الذاكرة الجماعية فحسب، بل هي محاولة لمحو أدلة الجرائم الماضية.

النظام الإيراني یتطاول خارج الحدود!

لقد مدّ النظام الإيراني قمعه إلى ما وراء حدوده. إن عدد الأجهزة القمعية داخل البلاد مذهل، لكن علي خامنئي لم يكتفِ بذلك ويُصدِّر الإرهاب. ليس المعارضون الإيرانيون وحدهم من يتعرضون للاستهداف، بل أنصارهم في الخارج أيضًا. المثال الواضح على ذلك هو محاولة اغتيال البروفيسور أليخو فيدال-كوادراس، النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي، في قلب مدريد في نوفمبر 2023. هذا الهجوم، الذي نُفِّذ بتوجيه من عناصر النظام، يدل على اتساع نطاق الأنشطة الإرهابية لطهران. وقد حذرت السلطات الفرنسية أيضًا من أن النظام يستخدم شبكات مرتبطة بالجريمة المنظمة لتنفيذ عمليات بالوكالة ضد معارضيه. وقد تم الإبلاغ عن حالات مماثلة في دول أوروبية أخرى وحتى في أمريكا، حيث تم استهداف معارضي النظام.

السيدة مريم رجوي في مؤتمر أوروبا

في مؤتمر البرلمان الأوروبي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 2025، ألقت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، خطابًا هامًا. أكدت فيه أن “الحاجة إلى تشديد الخناق لم تكن أبدًا بهذا القدر بالنسبة للملالي كما هي اليوم، لأنهم لم يشعروا في أي وقت مضى أنهم أقرب إلى السقوط كما يشعرون الآن. هذا النظام يواجه مأزقًا كاملاً أمام انتفاضة الشعب والمقاومة المنظمة. لقد أظهرت وحدات المقاومة، من خلال توسيع أنشطتها، مطالب الشعب الإيراني بإنهاء الديكتاتورية الدينية وإرساء جمهورية ديمقراطية. الشعب الإيراني يرفض كلتا الديكتاتوريتين، ديكتاتورية الشاه وديكتاتورية الملالی”.

الجميع يتحمل المسؤولية تجاه إيران

يقول أحد الشعراء الإيرانيين، وهو “سعدي”، في قصيدته المعروفة: “بَنُو آدَمَ أَعْضَاءُ جَسَدٍ وَاحِدٍ، إذ خُلِقُوا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَجَوْهَرٍ مُشْتَرَكٍ، فَإِذَا تَأَلَّمَ عُضْوٌ مِنْهُمْ يَوْمًا، فَلَنْ تَهْدَأَ بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَلَنْ تَسْتَقِرَّ“. وبناءً على ذلك، فإن انتهاك حقوق الإنسان في إيران حقيقة لا يمكن إنكارها. فمنذ بداية الثورة وحتى الآن، تم إعدام أكثر من 120 ألف شخص لأسباب سياسية – وهي إحصائية تُقدر بناءً على تقارير منظمات حقوق إنسان موثوقة. وعدد المعتقلين والمعذبين وضحايا القمع أكبر بكثير، لدرجة أن إيران اليوم تحولت إلى سجن كبير لمواطنيها.

إن على العالم مسؤولية تجاه هذه الجرائم. وقد قامت المقاومة الإيرانية من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان: من أجل حكومة شعبية في جمهورية تقوم على الانتخابات الحرة والتعددية؛ جمهورية تضمن حرية التعبير، والأحزاب، والتجمعات، والصحافة، والفضاء الافتراضي.

لطالما أكدت السيدة رجوي أن مستقبل إيران سيكون جمهورية قائمة على فصل الدين عن الدولة، حيث تُضمن الحريات والحقوق الفردية والاجتماعية وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتصر المقاومة الإيرانية على إنهاء الرقابة، وملاحقة مرتكبي مجزرة السجناء السياسيين قضائيًا، وحظر التعذيب، وإلغاء عقوبة الإعدام. نحن نسعى لإقامة قضاء مستقل بناءً على المعايير الدولية، يلتزم بمبدأ البراءة حتى تثبت الإدانة، وحق الدفاع والتقاضي، وإلغاء القوانين الشرعية المفروضة.

الخطوات الضرورية

لمواجهة هذا النظام، هناك خطوات فورية ضرورية. يجب إغلاق السفارات والمؤسسات التابعة للنظام في الدول الغربية، لأن هذه المراكز هي أدوات للإرهاب والقمع. كما أن تصنيف حرس النظام الإيراني  ووزارة المخابرات كمنظمات إرهابية هو ضرورة لا يجب تأجيلها. يجب على المجتمع الدولي أن يستمع إلى صوت الشعب الإيراني ويدعم مقاومته. إن صرخة إيران من أجل الحرية والعدالة لم تجد ردًا لائقًا بعد، لكن التاريخ أثبت أن القمع ليس أبديًا. سيأتي اليوم الذي تسقط فيه هذه الديكتاتورية وتصبح حقوق الإنسان حقيقة يومية في إيران.

***

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد   مع نهاية الشهر الحالي تنتهي المهلة التي تم تحديدها في اتفاقية 10 آذار (مارس) 2025 بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والتي تنص على اندماج قوات (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع تأكيدهما على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم. وبحسب ذلك الاتفاق، كان على لجان تنفيذية محلية العمل…

جمال مرعي للأمم تاريخها، ولها رموز سيادتها وهويتها، وكيانها، ودماء شهدائها، ويأتي العَلَم في مقدمة هذه الرموز الجامعة. والأمة الكردية، كغيرها من الأمم الحية، لها علمها القومي الذي يحتفل به الكرد في السابع عشر من كانون الأول من كل عام. يتكوّن العلم الكردي من ألوانه الأربعة الزاهية: الأحمر رمز دماء الشهداء والتضحيات، الأبيض رمز السلام والنقاء، الأخضر رمز الأرض الكردستانية…

بيان رسمي صادر عن عوائل قريتي دكشورية وأومريك في بلاد الاغتراب (أوروبا)   إلى أهلنا الكرام، وإلى جميع أبناء مجتمعنا في الوطن والمهجر، انطلاقًا من المسؤولية الاجتماعية، وحرصًا على الحفاظ على القيم الإنسانية والعادات المتوارثة، تؤكّد عوائل قريتي دكشورية وأومريك في بلاد الاغتراب أنّ واجب العزاء سيبقى التزامًا أخلاقيًا واجتماعيًا ثابتًا، لا يمكن التفريط به أو التقليل من شأنه. وفي…

ماهين شيخاني   تمر التجربة الحزبية الكوردية هذا العام بمرور ست وستون عاماً على تأسيس أولى التنظيمات السياسية الكوردية الحديثة، وهي رحلة شائكة تكشف عن خصوصية فريدة في بنيتها الفكرية وهياكلها التنظيمية، تجعل منها نموذجاً استثنائياً في علم السياسة المقارن. الفصل الأول: أسس البنية الفكرية – بين الثابت والمتحول تقوم المنظومة الفكرية للأحزاب الكوردية على ثلاثة أعمدة رئيسية تشكل “مثلث…