شهادة في الوعي والنضال وتأسيس الحركة الشيوعية في الجزيرة

عبدالعزيز حسين- أبو زويا

 

كيف أصبحت شيوعياً؟

ماذا عن تأسيس منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة؟

 

لمحة عن السيرة الاجتماعية والسياسية والحزبية

ولدت في قرية كريزيل الصغير عام ١٩٤٣، وبعد عامين – كما قال والدي – انتقلنا إلى قريتنا خربة الشيخ. وفي عام ١٩٥٦ أنهيت الدراسة الابتدائية «سرتفيكا». دخل الفكر الاشتراكي إلى قريتنا عام ١٩٥٢، وكان من الأوائل الذين انتسبوا إلى الحزب أعمامي يحيى حاجي ونواف حاجي، ثم إخوتي شلال عمرو وحسين عمرو عام ١٩٥٤، ومن ثم الكاتب وخليل عبدي ومحمد حاجي وحسني يوسف وأوسي شنكو ومحمود حاجي وملول عمرو وإبراهيم محمود، وكل الشباب الآخرين؛ منهم من كان أعضاء ومنهم من كان أصدقاء.

وقبل ذهابي إلى القامشلي لأكمل دراستي قدمت طلب انتسابي إلى الرفيق أحمد شيخو. وبعد شهرين من الدراسة في القامشلي أبلغني العم والرفيق ملا يوسف من قرية” كريزيل الصغير” بأن طلبي بالانضمام إلى الحزب قد قُبل، وقريباً سيتصلون بي. وبعد أسبوع تمّت دعوتنا إلى اجتماع حزبي في بيت الرفيق أبو شهاب، وأتذكر بعض أعضاء الفرقة: مجيد طه، وحسني حاج عبدي من قرية بونجغ ابن عمتنا، وغيرهم. وكان أول سكرتير لفرقتنا الرفيق المدرّس من مدينة جبلة الساحلية محمد سعيد قسام، وكنت في الصف السابع الإعدادي.

وأيام الوحدة السورية المصرية، وتحول الحزب إلى العمل السري تحضيراً للاعتقالات، وبرغم صغر عمري كنت معروفاً في الإعدادية كـ«شيوعي»، وأكثرية إدارة المدرسة كانوا من الإخوان المسلمين. وجرت أكثر من محاولة لضربي من قبل بعض الطلاب القريبين من الإخوان المسلمين. وفي اجتماع للمدرسين– وأكثريتهم من الإخوان– وكان رفيقنا قسام داخل الاجتماع وهم لا يعرفونه كـ«شيوعي»، قرروا إبلاغ المباحث عني للتخلص مني. وقام الرفيق قسام بإبلاغ قيادة المنظمة، وقررت القيادة عندئذ أن أترك المدرسة وأنتقل إلى الحسكة والعمل مع الرفاق في الحسكة.

وفي ظروف سرية عملت مع الرفاق إلياس مرحو وعيسى ملك وملا رشيد سعيد، وكنا أنا وملا رشيد نشرف على منظمة الريف. وكان من أهم الكوادر في الريف: شلال عمرو، وحسين أحمو، وحامد من شرق الحسكة، بالإضافة إلى بعض الرفاق الآخرين.

وقبل الانفصال، أرسلت قيادة المنظمة عدداً من الكوادر إلى لبنان – وكنا حزباً واحداً – لدورات ثقافية، ومن بينهم الرفيقان عيسى ملك والياس مرحو. ولم يبقَ غيري ككادر متفرغ في الحسكة وريفها، وكنت أشرف على كل المنظمة بالتنسيق مع الرفيق رمو شيخو سكرتير المنطقية. وهكذا استمر الوضع، وكان لي لقاءات مستمرة مع الرفيق أبو جنكو، وفعلياً كان يلعب الدور الأساسي في قيادة الحزب في الجزيرة، بالإضافة إلى الرفاق أبو شهاب وملكي عيسى وعبدي يوسف وشيخموس عبدي وأحمد سلو ورشيد كرد وديبو وحسين عمرو وحميد سيد صالح ونذير عبد القادر وغيرهم من الكوادر ورفاعي وعابد شريف وملا سليمان وأحمد عباس.

وبعد انهيار تجربة الوحدة المصرية السورية، قررت قيادة المنظمة أن أنتقل إلى منظمة القامشلي، وكنا الرفاق ديبو ونيشان وأنا، وبعدئذ يوسي، طبعاً بقيادة الرفيق ملكي عيسى. كنا نقود منظمة القامشلي. وفي نهاية عام ١٩٦٧ تزوجت من الرفيقة كلجهان رشيد بنت ملا رشيد سعيد، وكنا قد عملنا معاً في مدينة الحسكة مع بعض الرفيقات، وكانت مهمتهن نقل المطبوعات والرسائل داخل المنظمة.

وبعد ٧ أشهر من زواجي قررت القيادة أن أذهب لدراسة العلوم السياسية في الاتحاد السوفييتي. وعلماً بالإضافة إلى الدراسة ذهبت إلى ثلاث دورات أخرى إلى موسكو، كل دورة شهر. وبعد عودتي وأثناء دراستي ولأول مرة عُقد مؤتمر لمنظمة الجزيرة، وانتُخب أعضاء المؤتمر الثالث وأعضاء اللجنة المنطقية، وكنت من بينهم. وقبل ذلك كان أعضاء اللجنة المنطقية يُعيَّنون.

وبعد عودتي من الدراسة عملت في منظمة القامشلي، وأجريت الحلقات الثقافية. وبعد ٨ أشهر قررت المنطقية أن أشرف على منظمات عامودا وريفها والدرباسية ورأس العين وريفها. وطبعاً كان من أهم الكوادر في عامودا: جمعة قجو، ومحمود جانكير، جميل دباغ، وتبريزة دباغ، ونوفة جانكير، وليلى طوسي، وأحمد داري. وفي الدرباسية: عزيز عبد الكريم، شريف سعدون، وغيرهم. وفي رأس العين: أحمد رمصان، ومحمود ششبر. وفي ريف الدرباسية: مجيد حسين صالح أبو محمد، وحميد، وغيرهم من الرفاق. ألف تحية لذكراهم، وأعتذر سلفاً من الرفاق والرفيقات الذين لم أذكرهم.

وبعد ٩ أشهر تقريباً قررت القيادة نقلي إلى دمشق لغاية في نفس بعض الرفاق في اللجنة المنطقية وبعض الرفاق في القيادة. وفي دمشق عملت وتعرفت على كل الرفاق في القيادة، والعديد من اللقاءات مع الرفيق الأمين العام خالد بكداش، وعلى اتصال مباشر مع الرفيق يوسف فيصل ومراد يوسف. وكان هناك زيارات عائلية مع الرفيق مراد وفايز جلاحج لأننا كنا في حارة واحدة، وكذلك مع الرفيقة أم فياض.

وبعد خمسة أعوام في دمشق مع قيادة الحزب طلبت العودة إلى الجزيرة، ولكن القيادة – وبشكل خاص الرفيق الأمين العام – قرروا أن أذهب إلى اللاذقية. وبدلاً من عامين بقيت ١٧ عاماً. ومن اللاذقية عملت مع الرفاق في طرطوس وإدلب، وكان لنا منظمات قوية في اللاذقية وطرطوس. وعملت مع بعض الكوادر الصلبة: أنس قسام، أدهم علاء الدين، حسن بارد، فيصل خيربك، حكمت سوسو، أحمد فاضل، والدرجي، وجورج تارك، وأميمة أحمد، وليلى السيد، وغيرهم من الرفاق والرفيقات.

بدايات تأسيس منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة

عاصرتُ البدايات الأولى لتأسيس منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة، وكنتُ قريباً من عدد كبير من الرفاق الذين حملوا على عاتقهم مهمة نشر الفكر الاشتراكي في زمنٍ كانت فيه الكلمة الثورية تُعد مجازفةً كبرى. أدوّن هذه الشهادة وفاءً لأولئك الذين ناضلوا بصمتٍ في القرى والمدن، وواجهوا الاعتقال والملاحقة من أجل العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان. ما أكتبه هنا هو ما شهدته وما عرفته من وقائع وأسماء، وما بقي عالقاً في الذاكرة عن رجالٍ ونساءٍ قدّموا أغلى ما يملكون دفاعاً عن قناعاتهم ومبادئهم.

الرفاق الأوائل الذين ساهموا في بناء وتأسيس منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة، وفق ما توافرت من معلومات دقيقة، كان من بينهم الرفيق جان صعيب، اللبناني الذي أرسلته قيادة الحزب في أواسط الثلاثينات لتأسيس المنظمة، وافتتح محل كوى للتغطية على نشاطه. لعب دوراً كبيراً في نشر الفكر الاشتراكي، والتقيت به شخصياً في المكتب المركزي بدمشق في الثمانينات.

تلاه الرفيق سيريس من حلب، الذي جاء بتكليف من القيادة، ثم الرفيق الدكتور أنجيان، المتخرج من فرنسا والمتأثر بالحزب الشيوعي الفرنسي. افتتح عيادة في المالكية، ثم انتقل إلى القامشلي، حيث أسهم في نشر الفكر الماركسي. وكان أول سكرتير للمنطقة الحزبية في الجزيرة الرفيق أركيل، صاحب صيدلية الشعب في القامشلي، منذ بداية الخمسينات حتى الوحدة السورية المصرية، واعتُقل في تلك الفترة. بعده تولى الرفيق رمو شيخو سكرتارية المنظمة، فقادها خلال فترة الوحدة بجدارة، وكان له الدور الأساسي في حماية التنظيم وتوسّعه، خاصة في الريف، بالتعاون مع عدد من الكوادر الحزبية مثل عثمان إبراهيم، ملكي عيسى، حسين عمرو، عيس ملك، ملا رشيد سعيد، وكاتب هذه الشهادة الذي كان على اتصال دائم به، إضافة إلى نذير عبد القادر، حميد سيد صالح، ملا سليمان، جميل مرعي، أحمد سلو، ديبو، رشيد كزد، إلياس مرحو، عبدي يوسف، نيشان، شلال عمرو، علي دوكو، محمد حاجي، خليل حاجي، ميشيل ماغي، جميل دباغ، جمعة قجو، سعيد دوكو، محمود جانكير (بدلاً من حسين جانكير)، أحمد داري، ليلى طوسي، نوفة جانكير، كلجهان رشيد، مارين سروه، أسماء أم جنكو، تبريزه دباغ، شمسخان، بروين رشيد كرد، وملول الحسين من أبناء خربة الشيخ، إلى جانب نوري فرحان من القامشلي، محمد شرنخي من المالكية، عبدالحليم أبو سقراط من القامشلي، وأوسي شنكو من القامشلي، وتركي حمود من القامشلي، وشريفة أم رشاد من خربة الشيخ، وشريفة أم جوان من القامشلي، وغيرهم من الرفيقات والرفاق الذين واكبوا العمل الحزبي في مرحلة الوحدة وما بعدها.

ولم يكن دور النساء أقلّ إشراقاً، إذ شاركت في العمل الحزبي والاجتماعي عدد من الرفيقات المناضلات مثل فاطمة أم سنانيك من الحسكة، فاطمة أومري من القامشلي، أم رضوان من القحطانية، أم شلال وأم فهد من خربة الشيخ، أم شهاب من القامشلي، جلبية أم فهد من القامشلي، روزه مرحومة من الحسكة، أم ناظم من الحسكة، إلى جانب رفيقات أخريات كثيرات آمنّ برسالة الحزب ومضين في طريق النضال بصمتٍ وشجاعة.

لعب الرفيق عبدي يوسف دوراً أساسياً في ميدان النشر، وكان هناك العشرات من الكوادر الحزبية الأخرى الذين أسهموا في توسيع الحزب والدفاع عن مطالب الفلاحين، خاصة في النضال ضد نتائج الإحصاء وضد سوء تطبيق ما سُمّي بـ“الحزام العربي”.

الرفيق أحمد عباس كان له دور بارز في منطقة قبور البيض والجوادية وريفها، إذ قاد العديد من المعارك الفلاحية في كري بري ومعشوق إلى جانب رفاقه، ومنهم ملا سليمان وصبري برو. كما كان للرفاق محيد حسين ومحمد صالح من منطقة الكيكية دور مؤثر في تأسيس المنظمة وتوزيع الأراضي على الفلاحين. ومن رفاق رأس العين أحمد رمضان ومحمود ششبر، ومن الدرباسية عزيز عبد الكريم وشريف سعدون.

بعد خروج الرفاق من سجن المزة مثل صبحي أنطون، يعقوب كرو، زوراب، عبد الباقي صالح وغيرهم، لعبوا دوراً كبيراً في حياة المنظمة، ولاسيما الرفيقان يعقوب كرو وصبحي أنطون. وفي ريف الدرباسية برز دور مجيد حسين، ومن الدرباسية أيضاً أيوب شمعون أحد أبطال سجن المزة، وكذلك الرفيق رشيد كرد من أبطال ذلك السجن.

جدير بالذكر أيضاً الدور الكبير الذي أداه الشاعر الكردي جكرخوين في نشر الفكر العلمي والطبقي والقومي عبر قصائده وقصصه. كان مرشح الحزب لانتخابات البرلمان عام 1954 مع الرفيق إبراهيم بكري، وقاد المظاهرات الحزبية ضد حكم الشيشكلي والزعيم، واعتُقل مراراً، كما كلفه الحزب بقيادة منظمة أنصار السلم في الجزيرة.

الرفيق ولات عثمان صبري كان ناشطاً في الحسكة واعتُقل أيام الوحدة السورية المصرية في سجن الحسكة. وأتذكر جيداً الرفيق مصطفى روباري (أبو زنار)، الذي كان إلى جانب الرفاق بوظو الأرمني وأبو جواهر وملا رشيد سعيد من أبرز بلاشفة الحزب في محافظة الجزيرة. كما كان الرفيق حمزة فندي من المناضلين في ريف القطاطية، وأقصد بأبي جواهر الرفيق صالح خويتله.

أما أبرز الأدباء والشعراء الذين انتموا إلى الحزب فكانوا: سيدايي جكرخوين، رشيد كرد، إبراهيم اليوسف، علي جزيري، محمد عفيف حسيني، محمد نور حسيني، جميل داري، خورشيد أحمد، عبدالمقصد حسيني، وغيرهم كثيرون فقد كان المئات من الكتاب والشعراء أعضاء في الحزب ومنهم من لايزال يحمل ذلك الفكر أعتذر عن نسيان أسمائهم. وهناك من لم يذكر عضويته في الحزب، فيما بعد وهم بالعشرات الذين انضموا إلى أحزاب أخرى. ومن رجال الدين: ملا يوسف قرقاطي، ملا شيخمس قرقاطي، ملا رشيد سعيد، ملا شيخ موس شيخاني، ملا عبيد، ملا أمين، ملا سليمان، ملا شيخمس خجي، وغيرهم ممن دعموا العمل الوطني والاجتماعي.

كما نذكر من المناضلين: إبراهيم طرطب من ريف القامشلي، المحامي حنا أصلان من القامشلي، محمود كردي وإبراهيم كردي من الحسكة، بشير خلف من القامشلي، مجيد نجاري من الحسكة، مصطي كوجر من المالكية، عبيد وعيسى من بله وخربة نازو، عابد شريف ورفاعي من أبو راسين، عابد شريف من على فرو، الدكتور محمد صالح حفصونو من القامشلي، أبو بهمّن من تل خنزير في المالكية، عثمان أحمد من كريزيل الصغير، نمرود من منطقة الآشور في الحسكة، حميد شيخموس، والرفيق محمد من قرية خاصة في منطقة الدرباسية.

وكان الكثيرون من أهلنا الإيزيديين قد ناضلوا ضمن صفوف الحزب الشيوعي أتذكر منهم: صالح بارو- نهروز سوسي- فرهاد جميل- كنعان إبراهيم – ريزان شرو، وأعرف أني أغفلت ذكر أسماء المئات منهم.

قرية خربة الشيخ، رغم بساطتها وعدد سكانها القليل، غنية بتراثها الوطني والطبقي والأممي. خرج من أبنائها وبناتها جامعيون كُثر في الهندسة والطب والقانون وغيرها، وتقلد بعضهم مناصب في الوزارة ومجلس الشعب والمكتب التنفيذي ومجلس المحافظة واتحاد الطلبة والنقابات العمالية والفلاحية ونقابة المحامين. ومن نسائها المناضلات اللواتي شاركن في الحياة العامة والسياسية: أم شلال، أم فهد، فاطمة أم سنانيك، وملول الحسين، وهنّ من الرموز التي بقيت في ذاكرة أبناء القرية.

زار القرية عدد من قيادات الحزب، منهم يوسف فيصل، إبراهيم بكري، مراد يوسف، رمو شيخو، عثمان إبراهيم، يعقوب كرو، جكرخوين، رشيد كورد وغيرهم، وأسهم كثيرون منهم في العمل الحزبي في محافظات سورية متعددة، وكانوا في مواقع قيادية. وقف أبناء هذه القرى دوماً إلى جانب الفلاحين ضد الإقطاع، ومع الكتلة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، حتى أن الدرك الفرنسي داهم القرية لاعتقال مختارها بسبب مواقفه الوطنية.

وأعتز بأنني ابن لهذه القرية، كما أعتز بالعشرات من القرى الأخرى التي قدّمت التضحيات، واعتُقل أبناؤها وجُرحوا واستشهدوا دفاعاً عن الفلاحين وعن العدالة الاجتماعية.

ما دوّنته ليس إلا جزءاً مما تختزنه ذاكرتي من سير رفاقٍ آمنوا بالإنسان قبل أي شيء آخر، وجعلوا من الفكر الماركسي نهجاً للعمل لا للقول فقط. سيبقى أولئك المناضلون الذين مرّوا من خربة الشيخ وسائر قرى الجزيرة مشاعل مضيئة في طريق العدالة، وسأظل أعتز بانتمائي إليهم، وإلى تلك الأرض التي أنجبت رجالاً ونساءً ما خذلوا النضال يوماً، ولا بدّلوا قناعاتهم رغم قسوة الظروف. إن ذكراهم باقية ما بقيت القيم التي نادوا بها: الحرية، والمساواة، وكرامة الإنسان.

التجربة الحزبية والانقسامات والنقد الداخلي

وتتالت الانقسامات داخل الحزب، وكانت الأسباب تنظيمية حول الهيئات القيادية وخاصة الأمانة العامة. إلا أن الانقسام مع الترك كان سياسياً وفكرياً، لأنه تحالف مع الإخوان المسلمين. وكان من أكبر أخطاء الرفيق خالد بكداش ويوف فيصل تصفية القائد الشيوعي الصلب مراد يوسف بلا أي مبرر، وتصفية المناضل الشيوعي الدكتور نبيه رشيدات، ويتحمل مسؤولية ذلك أبو عمار وأم عمار.

وكان من الأخطاء الكبيرة في حزبنا تصفية مراد يوسف ونبيه رشيدات. والانقسام الأخير مع الرفيق يوسف لم يكن له أي مبرر، فقط الخلاف حول الأمانة، والرفاق عمار بكداش وقدري جميل وأم عمار يتحملون المسؤولية الأساسية. وفي المؤتمر الثامن بعد وفاة الرفيق خالد كان المؤتمر تزويراً وتصفية لخير الكوادر تحت ستار «التجديد والتطوير».

كل هذه الانقسامات أدت إلى إضعاف الحركة الشيوعية في سورية، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى. وأعتقد أن للتيار الصهيوني داخل الحزب الشيوعي السوفييتي دوراً لا يُستهان به في انقسامات حزبنا، وكذلك للمخابرات دور كبير في انقسامات وإضعاف حزبنا، وخاصة بعد انضمامنا للجبهة والقبول بشروطهم بضغط سوفييتي.

ولكن هذا لا يعني أن الرفاق في القيادة الذين ارتكبوا الأخطاء المذكورة لم يكن لهم دور أساسي في قيادة الحزب وفي المعارك الفكرية والسياسية والطبقية خلال مسيرة الحزب الطويلة. والتاريخ يشهد على الكثير من مواقفهم البطولية ضد الأنظمة الديكتاتورية ومن أجل القضايا الوطنية والطبقية والأممية في تاريخ وطننا الحبيب والمنطقة، وفي مقدمتهم شهيد الحزب الكبير فرج الله الحلو، وغيرهم من الشهداء الذين قضوا في زنزانات الأنظمة الديكتاتورية، والرفاق الذين قضوا خيرة أعمارهم في السجون دفاعاً عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق القوميات.

ونحن نعتز بتاريخنا وبتاريخ قياداتنا بالرغم من الأخطاء التي حدثت. وبعد عودتي من الساحل إلى دمشق، وكعضو مكتب سياسي وأمانة عامة وسكرتير للمكتب التنظيمي، كنت أقوم بزيارات دورية إلى جميع المنظمات، وأشرفت مباشرة على العديد منها: حمص، عفرين، دير الزور، الرقة، الجزيرة. ومثلت الحزب في العديد من المؤتمرات في تركيا، ومؤتمر الاتحاد الوطني لجلال الطلباني في السليمانية. وبتوجيه من قيادة الحزب والرفيق خالد بكداش شخصياً أكدتُ في كلماتي في أنقرة والسليمانية على حقوق القوميات وخاصة الشعب الكردي، وفي السليمانية أكدت على تأييدنا ودعمنا لإقامة كردستان الكبرى.

كما شاركتُ مع وفد من الأكاديميين السوريين في زيارة استطلاعية لإيران، وفي لقاء مع مجلة «قضايا السلم والاشتراكية» في براغ مع الرفيق الدكتور محمد جمعة، وزيارة علاجية إلى بلغاريا، ووفد إلى ستالينغراد لمدة أسبوع، وزيارات عديدة أخرى إلى الاتحاد السوفييتي.

ومنذ المؤتمر الثامن تقريباً أصبحت خارج الحزب، وعملت فترة في تنظيم «وحدة الشيوعيين السوريين» مع الرفيق قدري جميل. ولا زلت أناضل كشيوعي مستقل وعضو مكتب سياسي سابق مع كل الشيوعيين الصادقين داخل التنظيمات أو خارجها، ومع كل القوى الوطنية والتقدمية واليسارية من كل المكونات، في سبيل نظام وطني ديمقراطي تعددي علماني لا مركزي يحقق العدالة الاجتماعية وحقوق الكرد والقوميات الأخرى دستورياً ضمن وحدة الوطن، بعيداً عن التقسيم وشعارات انفصالية، وتحرير كامل الأراضي السورية من الاحتلال التركي والإسرائيلي والأميركي، وضد كل أشكال الاستبداد والظلم والتمييز.

وفي الختام، أعترف بأنني أتحمل جزءاً من مسؤولية بعض الأخطاء لكوني كنت عضواً في القيادة، وأعتذر من الرفاق الذين ناضلت معهم في بعض المنظمات إن أخطأتُ معهم. وأوجه أحرّ التحيات الرفاقية لكل الرفاق الذين ناضلنا معهم، الذين لا زالوا على دروب النضال أو الذين رحلوا. كما أدعو الرفاق والرفيقات أينما كانوا إلى النضال من أجل التنسيق بين الشيوعيين وصولاً إلى الوحدة، بعيداً عن الإحباط واليأس، والحرص كل الحرص على وحدة كل القوى الوطنية والتقدمية.

إن الأخطاء التي حدثت – وهذه الأخطاء تحدث في كل الأحزاب والحركات الثورية والتقدمية في العالم – ليست مبرراً أبداً للتخلي عن الأفكار والمبادئ. فالماركسية ليست أفكاراً جامدة متحجرة، بل أفكار متطورة متجددة. علينا مواكبة التطورات والتغيرات وتغيير الأساليب والأشكال التنظيمية، وأن نملك الجرأة للاعتراف بأخطائنا، وأن يكون صدرنا واسعاً لتقبّل الانتقاد والملاحظات.

وعندما تحدثت عن أخطاء بعض الرفاق، لا أقصد الإساءة أو التجريح أو النيل من قيمتهم أو تاريخهم النضالي، وإنما فقط ليستفيد الجيل الجديد والقادم من هذه الأخطاء، وألا تتكرر في المستقبل. فالمستقبل للشعوب، للعدالة، للديمقراطية، للحرية، وللاشتراكية.

* أعتذر من عشرات آلاف المناضلين الشيوعيين الذين عرفتهم أو الذين عملنا معاً  ولم تسعفني الذاكرة في إيراد أسمائهم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…