لا مشكلة لنا مع من يحكم في دمشق من أي طائفة… إنما مشكلتنا مع غياب الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي في سوريا

عبد الحليم ابراهيم

في خضم التحولات العميقة التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد يبرز الموقف الكوردي كأحد المواقف الأكثر وضوحاً واتزاناً تجاه مستقبل الدولة السورية. فالقضية بالنسبة للكورد لم تكن يوماً صراعاً على هوية الحاكم أو طائفته أو موقعه في الهرم السياسي بل كانت وما تزال صراعاً من أجل الاعتراف الدستوري والسياسي بوجود شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ويمتلك حقه الطبيعي في الإدارة واللغة والثقافة والتمثيل.

لا مشكلة للكورد مع من يجلس في قصر الشعب ولا يهمنا إن كان من طائفة سنية أو علوية أو مسيحية أو درزية. فالمسألة الطائفية ليست جزءاً من منهجية التفكير السياسي الكوردي وليست معياراً في تقييم مستقبل الحكم. المشكلة الحقيقية تكمن في غياب مشروع وطني جامع يعترف بالتعددية القومية وفي استمرار عقيدة الدولة المركزية التي ألغت الشراكة الوطنية وجرّدت المكونات من حقوقها الأساسية تحت ذرائع الوحدة أو الأمن أو خصوصية الدولة.

لقد أثبتت التجارب السياسية أن استقرار سوريا وعودتها إلى الحياة الطبيعية لن يتحققا ما لم تُبْنَ الدولة على قاعدة المواطنة المتساوية والاعتراف الصريح بحقوق كافة الشعوب والمكونات، وفي مقدمتها الشعب الكوردي الذي دفع ثمناً باهظاً من التهميش والحرمان وسياسات الإنكار. إن القضية الكوردية ليست ملفاً أمنياً أو مطلباً طارئاً بل هي مسألة وطنية وسياسية يجب أن تُكرَّس في الدستور المقبل باعتبارها ضمانة للاستقرار ووحدة البلاد.

الحديث اليوم ليس عن من يحكم بل عن كيف يُحكَم الوطن. ليس عن شكل السلطة بل عن مضمون العقد الاجتماعي الجديد. فالمعيار الحقيقي لنجاح أي سلطة في دمشق هو قدرتها على معالجة جذور الصراع والاعتراف بالحقوق القومية للكورد والقبول بالشراكة السياسية التي تُخرج سوريا من أسر الماضي إلى أفق الدولة الديمقراطية التعددية.

إن الشعب الكوردي بكل قواه السياسية والاجتماعية يكرر موقفه الثابت لسنا طرفاً في النزاع الطائفي ولا ننخرط في حسابات النفوذ الفئوي. كل ما نطالب به هو الاعتراف الدستوري بوجودنا وحقوقنا وضمان إدارة مناطقنا وتعزيز الشراكة الوطنية على قاعدة العدالة والاحترام المتبادل.

من دون هذه الأسس سيظل الحديث عن إعادة بناء سوريا حديثاً نظرياً بعيداً عن الواقع. أما حين يُعترف بالشعب الكوردي كشريك أصيل في الوطن فحينها فقط يمكن لسوريا أن تنطلق نحو مستقبل جديد يتساوى فيه الجميع دون خوف أو إقصاء أو إنكار.

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…