اكرم حسين
تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من التوتّر الداخلي لدى كثيرين، حيث يبدو الانتماء للوطن والانتماء للهوية الفرعية وكأنهما على طرفي نقيض، مما يضع الفرد في موقف يشعر فيه وكأن عليه الاختيار بينهما.
هذا يدفعنا إلى طرح أسئلة جوهرية: هل الهوية بناء أحادي أم مركب؟ ألا يمكن للإنسان أن يكون سورياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي الوقت ذاته متصلاً بعمق بجذوره القومية أو الدينية أو الثقافية الخاصة ؟
الواقع يشير إلى أن الهوية الإنسانية قابلة لأن تكون طبقات متراكمة ومتكاملة، وليست بالضرورة متعارضة. فالهوية السورية يُمكن -بل يجب- أن تكون إطاراً جامعاً ومظلةً واسعةً تتسع لكل هذه الألوان، لتصنع لوحة واحدة متنوعة وجميلة.
غير أن هذا المبدأ النظري يجد أمامه عقبات كبيرة في التطبيق. فالواقع السوري اليوم، بكل ما يحمله من تحدّيات أمنية واقتصادية وسياسية هائلة، يُزيد من حدة هذا الصراع الهوياتي ويُغذيه، الذي يُهدّد بتحويل هذا التنوع الطبيعي من مصدر قوة إلى انقسام ..!
إن بناء مجتمع سوري متماسك ومستقر يقتضي الاعتراف بهذا التنوّع أولاً، ثم العمل الجاد لتحويله من عامل انقسام إلى ركيزة بناء. لان الوحدة الوطنية الحقيقية لا تُبنى على محو الخصوصيات والهويات ، بل الاعتراف بها ، في عقد اجتماعي جديد. أركانه المساواة الكاملة في المواطنة والحقوق والواجبات، والعدالة، والاحترام المتبادل بين جميع السوريين، بغض النظر عن أصولهم أو معتقداتهم.
من هنا فإن عمق وقوة الهوية السورية لا يكمنان في إنكار تعدّدية الانتماءات التي يحملها أبناؤها، بل في قدرة المجتمع ومؤسساته على استيعاب هذا التعدّد وصياغة نموذج تعايش يحمي الجميع. لأن التحدّي الأكبر الذي يواجه السوريين اليوم يكمن في صياغة هوية وطنية جامعة يشعر فيها كل فرد بأن انتماءه للكل لا ينفي انتماءه للجزء، وأن ولاءه للوطن هو الإطار الذي تتعزّز فيه باقي ولاءاته دون تناقض.