هل يكفي الخطاب الودي “الكرد بعيوننا” لمعالجة القضية الكردية العادلة في سوريا؟ قراءة سياسية–قانونية في خطاب السلطة المؤقتة

شادي حاجي
تشهد الساحة السورية منذ تولّي السلطة المؤقتة في دمشق، ومرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، تحولاً واضحاً في الخطاب السياسي تجاه المكوّن الكردي. فقد باتت العبارات الودّية مثل “الكرد مكوّن أصيل من النسيج السوري”، و”الكرد شركاؤنا”، و”الكرد بعيوننا”، إلى آخر مثل هذه اللغة الودية والتصالحية التي تتكرر في تصريحات رئيس السلطة المؤقتة في دمشق ومسؤوليها. ورغم أن هذه اللغة الجديدة تشكّل انقطاعاً نسبياً عن الخطاب الرسمي التقليدي الذي اتّسم لعقود بالتهميش والإنكار، إلا أن السؤال الجوهري يبقى مطروحاً:
هل تكفي هذه العبارات لحل قضية بحجم القضية الكردية في سوريا؟
من منظور قانوني وسياسي، يمكن القول إن الجواب المختصر هو: لا، وذلك لعدة أسباب بنيوية تتعلق بطبيعة الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا، وآليات تكريسها، والأطر الدستورية التي تستوعب التعدد الإثني.
أولاً: الخطاب الإيجابي خطوة مهمة… لكنها غير كافية
لا شك أن الاعتراف بالكرد بوصفهم مكوّناً أصيلاً يُعد تطوراً في الخطاب الرسمي السوري. فاللغة السياسية، في السياق السوري، لطالما كانت أداة لتثبيت توجهات السلطة ومنع ظهور أي خطاب هويّاتي بديل مناهض للنظرية البعثية ومقولة “صهر القوميات الأخرى في بوتقة القومية العربية”، وهي الفكرة التي كانت ترتبط بأيديولوجية بعض التيارات القومية العربية، خاصة حزب البعث، التي كانت تدعو لتوحيد الشعوب العربية تحت مظلة هوية قومية واحدة، حيث كان يُنظر إليها كأيديولوجية شاملة تسعى لإذابة الهويات المحلية أو القومية الأخرى (مثل الكردية، الأمازيغية، أو الإقليمية) ضمن هوية عربية موحدة. لكن الخطاب –مهما بدا منفتحاً– لا يرقى بذاته إلى أن يكون أساساً لحل قضية قومية متجذّرة، ما لم ينتقل من إطار المجاملة السياسية إلى إطار الحقوق الملزمة. فالحقوق القومية لا تُكتسب بعبارات سياسية عامة، بل بضمانات قانونية ودستورية واضحة تؤسس للاعتراف والتمثيل، وتحدّد آليات ممارسة الهوية القومية ضمن الدولة ومؤسساتها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ثانياً: غياب الإشارات الدستورية والتمثيل السياسي
على الرغم من اللغة الودية، فإن الواقع السياسي–الدستوري (الإعلان الدستوري نموذجاً) يقدّم صورة مغايرة:
الإعلان الدستوري للسلطة المؤقتة لم يتضمن أي ذكر صريح للكرد، ولا لحقوقهم السياسية أو الثقافية أو حتى الإدارية.
الحكومة الانتقالية تشكّلت دون مشاركة ممثلين حقيقيين عن المكوّن الكردي، رغم أن القضية الكردية تُعد واحدة من أكبر قضايا التعدد القومي في البلاد، والتي تُعد القومية الثانية في سوريا.
لم تُوجَّه أي دعوة للوفد الكردي المشترك الذي انبثق عن كونفرانس “وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفاي كردستان”، الذي عُقد في مدينة قامشلو بتاريخ 26 نيسان 2025، أو لأي تمثيل كردي مستقل ضمن مسار الحوار الوطني، رغم مطالبة أطراف سياسية ومدنية عديدة بذلك.
هذه الوقائع تعكس فجوة واضحة بين الخطاب والممارسة. ففي حين تُستخدم لغة الانفتاح في السياق الإعلامي والسياسي، يبقى الإطار الدستوري –وهو الأساس القانوني للحقوق– خارج أي معالجة حقيقية للقضية الكردية.
ثالثاً: التجارب المقارنة تؤكد الحاجة إلى حلول دستورية لا خطابية
النماذج الدولية في إدارة التنوع القومي –من العراق إلى إسبانيا وجنوب إفريقيا– تثبت حقيقة ثابتة:
القضايا القومية لا تُحل بالتصريحات، بل بالاعتراف الدستوري والتسويات السياسية أياً كانت صياغتها (فيدرالية، حكم ذاتي، لامركزية واسعة، إدارة محلية، ضمانات ثقافية، أو صيغ أخرى يتم التوافق عليها).
تثبيت الحقوق في الدستور هو الذي يخلق:
إطاراً قانونياً مستقراً للهوية الثقافية واللغوية؛
تمثيلاً سياسياً فعلياً؛
ضمانات تمنع الارتداد إلى سياسات الإقصاء؛
بيئة ثقة تُساعد على بناء دولة ديمقراطية تشاركية.
ما لم يتحقق ذلك، تبقى التصريحات ذات طبيعة رمزية أكثر منها عملية.
رابعاً: متطلبات أي حل عادل للقضية الكردية
لحل القضية الكردية ضمن إطار الدولة السورية، لا بد من توفر ركائز أساسية، أبرزها:
اعتراف دستوري صريح بالمكوّن الكردي وبحقوقه القومية السياسية والقانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
صيغة حكم فيدرالي أو لامركزي وفق ما سيتم التوافق عليه ضمن إطار الدولة الموحدة، تُحدَّد بوضوح وبمواد شفافة في الدستور.
تمثيل كردي فعلي في مؤسسات الحكم الانتقالي والدائم.
شراكة كاملة في صياغة الدستور الجديد، لا مجرد تلقي نتائج جاهزة.
ضمانات قانونية دستورية للّغة والتعليم والهوية الثقافية.
هذه الإجراءات ليست امتيازات، بل أسس لضمان المساواة وإعادة بناء الدولة على قاعدة التعددية، وهي الركيزة الوحيدة للاستقرار في المجتمعات المركبة.
خلاصة
إن الخطاب الودي من قبل السلطة المؤقتة في دمشق خطوة إيجابية في الشكل، لكنه غير كافٍ إطلاقاً في المضمون لمعالجة قضية بحجم القضية الكردية في سوريا.
فالحقوق القومية لا تُحل بالأقوال والتصريحات، بل بالدساتير والقوانين والمؤسسات.
وما لم تُترجم تلك التصريحات إلى مسار دستوري وسياسي واضح، ستبقى القضية الكردية مؤجلة، ولن تستقر البلاد بالكامل، وستبقى تعاني من تحديات سياسية وانقسامات سياسية، واقتصادية واجتماعية، وإنسانية عميقة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية. وسيظل الخطاب التصالحي مجرد غطاء لفظي لا يعالج جذور الأزمة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….

خالد حسو مرَّ عامٌ كامل على ذلك اليوم الذي اهتزّت فيه سوريا من أقصاها إلى أقصاها؛ اليوم الذي سقطت فيه منظومة آل الأسد التي كبّلت البلاد لأكثر من خمسة عقود. كان يومًا أشبه بزلزالٍ سياسيٍّ عاصف، انشقّت فيه جدران الصمت، وتحطّم فيه أحد أشدّ الأنظمة الأمنية قمعًا في تاريخ المنطقة. لم يكن سقوطه حدثًا عابرًا، بل لحظة انفجارٍ هائل تحرّرت…

ادريس عمر شكّلت اللحظة التي انهار فيها نظام بشار الأسد حدثاً تاريخياً انتظرهالسوريون أكثر من نصف قرن. فالنظام الذي حكم سوريا بالحديد والنار،وجرّ البلاد إلى قمعٍ ممنهج ودمارٍ شامل، بدا لسنوات وكأنه باقٍ إلى الأبدبفضل دعمه من روسيا وإيران وحزب الله. ومع ذلك، جاءت لحظة غير متوقعةقلبت المعادلات، وانتهت بهروب رأس النظام وانهيار المركز الأمني الذي كانيمسك برقاب السوريين منذ…