عام على سقوط نظام الاستبداد السوري.. المشهد العام ( ١ – ٢)

صلاح بدرالدين

  يحتفل السورييون بالذكرى السنوية الأولى للإطاحة بنظام البعث الدكتاتوري المستبد الذي حكم البلاد اكثر من نصف قرن عبر انقلاب عسكري في آذار ١٩٦٣ يحمل الرقم الثامن في سلسلة الانقلابات العسكرية تلاه انقلابان عسكريان ( بعثييان ) بعامي ( ١٩٦٦ و ١٩٧٠ ).

   في هذا اليوم الثامن من كانون اول \ ديسمبر ٢٠٢٤ ، توجت ثورة الشعب السوري التي اندلعت في آذار ٢٠١١ بالنصر ، وبعد انقضاء عام على سقوط نظام الاستبداد لابد من إعادة التأكيد على المسلمات التالية:

  أولا – يوم الثامن من كانون الأول \ ديسمبر يعتبر تاريخا فاصلا في حياة السوريين ، بزغ فيه فجر الحرية بعد اكثر من نصف قرن من الدكتاتورية الرهيبة التي عانى منها جيلان كاملان من السوريين ، وشهدت الحقبة السوداء تلك الحكم الجائر للون القومي المؤدلج  الواحد ، والحزب العقائدي الواحد ، وانحدرت نحو حكم اللون الطائفي الواحد ، والعائلة الواحدة ، والفرد الدكتاتوري الاوحد . وكان ذلك النظام المقبور كفيلا بزعزعة أسس وأركان الدولة ، وفقدان السيادة ، وضرب السوريين ببعضهم الآخر ، واثارة الفتن والانقسامات القومية ، والطائفية ، وتهجير اكثر من نصف الشعب السوري ، وتدمير المعالم المدنية ، وقتل واعتقال ، واختطاف مئات الالاف.

  ثانيا – في ظل النظام المقبور اخذ الكرد السورييون نصيبهم في المعاناة ، والحرمان من الحقوق ، والتعرض لمخططات التهجير ، وفقدان حق المواطنة ، والأخطر من كل ذلك استطاع النظام تنفيذ مخططه في ( تكريد الصراع ) على مرحلتين في الثمانينات بعد احتواء زعيم – ب ك ك  – وفي بداية الثورة السورية بجلب مسلحي ذلك الحزب الى المناطق الكردية السورية ، كما تعرضت الحركة الكردية في عهد النظام المقبورالى الاختراق ، والانشقاق خصوصا عبر مخابراته العسكرية ومديرها – محمد منصورة ، ومنذ بداية التسعينات تولى النظام الدعوة لعقد لقاءات واتفاقيات ثنائية وثلاثية وحتى رباعية لمحاربة الحركة الكردية في البلدان الأربعة ، .

 ثالثا – الجرائم التي ارتكبها النظام البائد بحق السوريين ، ماكانت لتصل الى تلك الدرجة من القسوة ، وزيادة الضحايا لولا دعم واسناد اطراف خارجية وبالأخص – جمهورية ايران الإسلامية –في ظل نظام ولي الفقيه ،  ونظام روسيا الاتحادية – تحت حكم طغمة بوتين الاستبدادية ، وميليشيات حزب الله ،  وذلك من النواحي العسكرية ، والأمنية ، والدبلوماسية ، والمادية .

  رابعا  – خيب المجتمع الدولي ، والإقليمي ، وغالبية النظام العربي الرسمي آمال السوريين وخصوصا بعد اندلاع ثورتهم الدفاعية في آذار ٢٠١١ ، ولم تلتزم ( الدول الصديقة للشعب السوري ) بتعهداتها التي قطعتها خلال المؤتمرات العديدة التي  انعقدت للتضامن مع ثورتهم .

  خامسا – اعتقد ان أي وطني سوري منصف يجب ان يرى انجاز الفصائل العسكرية ( يختلف معها او يتفق ) في تحقيق النصر النهائي يوم الثامن من ديسمبر ، أقول ذلك من منطلق ان تلك الفصائل كانت جزء من الثورة والمعارضة السورية ، وخطوتها الأخيرة حققت الهدف الأساسي لتلك الثورة ، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الأطراف والتيارات في الثورة والمعارضة لم تكن ذات تكوين واحد ، ولامنطلقات فكرية واحدة ، بل اجتمع فيها الاضداد من إسلاميين ، وعلمانيين ، وقوميين ، ويساريين ، وكذلك المكونات القومية المختلفة  بهدف اسقاط النظام ، وبعكس مالاحظناه خلال الثورة من نهج جماعات الإسلام السياسي بزعامة حركة – الاخوان المسلمين – الظلامية الهادفة الى اسلمة واخونة الثورة ، وإقامة الدولة الإسلامية ، فان خطاب الإدارة الانتقالية ، والرئيس الانتقالي ، والممارسات على ارض الواقع ، والعلاقات مع الخارج منذ عام يخلو من الدعوة الى إقامة النظام السياسي الديني ، بل هناك وعود على تحقيق حكم الشعب نفسه بنفسه .

  سادسا – مآخذنا ومعظم الوطنيين السوريين على العهد الجديد كثيرة ومن أهمها احتفاظ الإدارة بفصائلية اللون الواحد ، وعدم افساح المجال لمشاركة الاخرين في السلطة والقرار ، وعدم إيلاء الوضع الداخلي الأهمية اللازمة ،وإصرار الادارة على اعتبار المرحلة الانتقالية ذات الخمسة أعوام في عهدتها ، والتباطؤ في احتواء ومعالجة القضايا المثارة في الساحل ، والسويداء .

  سابعا – اذا كانت الثورة السورية من الناحية السياسية شكلت نوعا من التحالف الجبهوي العام من مختلف التيارات الفكرية ، الثقافية ، السياسية ، العلمانية ، والمتدينة ، والقومية ، واليسارية ، والليبرالية ، ومعظم المكونات القومية والاجتماعية الوطنية ، وحققت النصر على ايدي احد فصائلها ، او تياراتها ، او مكوناتها ،  فحري بالعهد الجديد اقتداء النهج ذاته من الناحية المبدئية أي تطبيق التشاركية في السلطة والقرار بين الاطياف التي لم تسئ للثورة ، وظلت ملتزمة باهدافها ، ولم تنحرف عن نهجها ، ولم تهادن او تتعاون مع نظام الاستبداد البائد حتى يوم التحرير.

ثامنا  – هناك مسائل يمكن تأجيل البت المباشر فيها حتى انتهاء امد المرحلة الانتقالية ، ولكن بالمقابل هناك قضايا مصيرية هامة لايجوز تجاهلها او حتى التفكير بترحيلها من يوم الى آخر او من شهر الى آخر مثل قضايا : التشاركية ، وإعادة بناء المؤسسات الدستورية ، والعملية السياسية الديموقراطية ، وتوفير شروط عودة السوريين من المهاجر ، وإعادة البناء ، ومعالجة القضية الكردية ، ووضع أسس نظام سياسي كما تريده الغالبية من الشعب السوري .

   يتبع القسم الثاني : المشهد الكردي

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….

شادي حاجي تشهد الساحة السورية منذ تولّي السلطة المؤقتة في دمشق، ومرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، تحولاً واضحاً في الخطاب السياسي تجاه المكوّن الكردي. فقد باتت العبارات الودّية مثل “الكرد مكوّن أصيل من النسيج السوري”، و”الكرد شركاؤنا”، و”الكرد بعيوننا”، إلى آخر مثل هذه اللغة الودية والتصالحية التي تتكرر في تصريحات رئيس السلطة المؤقتة في دمشق ومسؤوليها. ورغم أن…

خالد حسو مرَّ عامٌ كامل على ذلك اليوم الذي اهتزّت فيه سوريا من أقصاها إلى أقصاها؛ اليوم الذي سقطت فيه منظومة آل الأسد التي كبّلت البلاد لأكثر من خمسة عقود. كان يومًا أشبه بزلزالٍ سياسيٍّ عاصف، انشقّت فيه جدران الصمت، وتحطّم فيه أحد أشدّ الأنظمة الأمنية قمعًا في تاريخ المنطقة. لم يكن سقوطه حدثًا عابرًا، بل لحظة انفجارٍ هائل تحرّرت…