شكري بكر
عندما تحدث توم باراك عن النظام الفدرالي في العراق بانه قد فشل، وكذلك ان النظام اللامركزي في سوريا لا يصلح، اعتقد ان توم باراك يعي ما يقوله تماما.
الى ان بعض القوى السياسية في المنطقة وخاصة حكامها لا يريدون ان يستوعبوا ما وراء تلك الخطابات، بل ينقسمون شكلا ومضمونا حول خطاباته الى مؤيد ومعارض لها. علما ان توم باراك بخطاباته هذه يتحدث بالقشور لا بالمضامين، وانما في الباطن يوضح بعض الملامح المستقبلية للشرق الاوسط، لكن القوى السياسية قد لا تريد توضيح كل ما يرمي اليه خطاباته للملاء والتي قد تكون اقواله شيء وافعاله شيء اخر، هكذا قد يفسرها بعض مسؤولي المنطقة لان باراك يذهب بخطاباته نحو البعد الاستراتيجي للسياسات الامريكية تجاه مستقبل المنطقة عموما، وبعض حكام دول المنطقة يتفهمون ذلك تماما.
الى ان الشرق الاوسط على صفيح ساخن، والسبب انه لم يعد خافيا على احد ان احد اسباب استمرار الصراع في الشرق الاوسط هو الوجود التاريخي للشعب الكوردي. هذه قد تم تدويلها بعد انتفاضة شعبنا الكوردي في كوردستان والهجرة المليونية عام 1991، فبدون ايجاد حل منصف لقضية الشعب الكوردي لا يمكن ان يعم الهدوء والاستقرار والسلام في ربوع الشرق الاوسط لا القديم ولا الجديد.
هذا وبالعودة الى توم باراك، انه قد ياسف احيانا للسياسات التي تتبعها بعض حكام دول المنطقة وبعض سياسييها والتي تاتي غالبا على عجالة، اما تكون معارضة او مؤيدة لها. بعض حكام دول المنطقة لا يتمسكون بمصالحهم الوطنية والقومية والانسانية على اختلاف ما سبق من ازمنة، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه مجمل حكام دول منطقتنا الشرق اوسطية.
من منا لم يعد يدرك ان الولايات المتحدة لا تبني سياستها على مواقف توم باراك والتي هي عبارة عن مفرقعات دخانية.
الولايات المتحدة لم تبعث بتوم باراك الى الشرق الاوسط لتحسين اوضاع المنطقة، وانما لخلط بعض الاوراق ذات الصلة بعدة ملفات في المنطقة منها ما يلي:
1- ملف تغيير خارطة الشرق الاوسط ووضع خارطة طريق جديدة للشرق الاوسط لربطها سياسيا واقتصاديا مع الاسواق العالمية.
2- التطبيع مع اسرائيل واقامة سلام في الشرق الاوسط بين العالمين العربي والاسلامي واسرائيل.
3- القضاء التام على التنظيمات الارهابية على اختلافها وبكل اشكالها السياسي والعسكري.
4- جعل منطقة الشرق الاوسط يسودها الامن والاستقرار والسلام الدائم.
5- العمل على تحقيق مؤتمر اقليمي لدول منطقة الشرق الاوسط وباشراف دولي لاقرار حقوق جميع شعوب المنطقة العرقي والديني والمذهبي والطائفي.
6- وضع اسس وضوابط لاقتصاد دول الشرق الذي يذهب قسم منه في خدمة العسكرة، والاخر يقدم كدعم لشبكات ارهابية، والعمل على تحرير اقتصاد المنطقة واستخدامه لاغراض سلمية تخدم قضايا الانسان والانسانية والخدمية والصحية والتعليم في المنطقة.
7- وقد يكون اكثر من هذا وذاك هو ايجاد حل سلمي للقضية الكوردية كاحد اهم القضايا ذات الصلة بخمس دول بمنطقة الشرق الاوسط.
اعتقد ان هذه هي بعض جوانب الحقيقة من السياسة الامريكية تجاه المنطقة. ما يتحدث به توم باراك لم يكن سوى طلقات خلبية جوفاء الهدف منها جس نبض الجهات السياسية الرسمية وغير الرسمية من الاحزاب الحاكمة وغير الحاكمة والمعارضات في المنطقة.
يمكن القول ان الولايات المتحدة الامريكية تعمل بسياساتها البعيدة المدى بحسب الخطط الخمسينية لتجعل من الشرق الاوسط الجديد منطقة منزوعة السلاح ثم منطقة نفوذ امريكية بحتة.
هنا بيت القصيد في الحقيقة. ان توم باراك قدم الى المنطقة كمبعوث امريكي ليتعامل مع انظمة المنطقة وبعض الحركات السياسية بشيفرات سرية تامة. وهذا ما يجعل الولايات الامريكية تفهم كل شاردة وواردة في المنطقة عبر وسيطه توم باراك الذي بعث الى المنطقة لهذا الغرض، لا لاغراض اخرى.