صلاح بدرالدين
تابعت على مواقع التواصل الاجتماعي سجالا حاميا لم يهدأ بعد بين من قال : ” اذا كرديتي راح تأثر على سوريتي فانا ماني كردي ” ، ومن أجاب العكس : ” اذا سوريتي راح تأثر على كرديتي فانا لست سوريا ” ، وانا أقول : الافتراضان خاطئان ، ومنافيان للحقيقتين التاريخية ، والجغرافية ، ولن يغيرا من كردية ، وسورية هذا وذاك .
الموضوع المثار بهذه الطريقة الافتراضية ليس جديدا بل يشكل جزء من مسار طويل في البحث عن الهوية ، فمنذ تنفيذ بنود اتفاقية سايكس – بيكو عام ١٩١٦ ، وانسلاخ جزء عن الجغرافيا الكردستانية العثمانية ليصبح ضمن حدود دولة سوريا المنتدبة الناشئة ، وجد الكرد انفسهم امام واقع جديد ، وانتماء وطني مختلف ، واصبحوا وجها لوجه امام سؤال الهوية ، والانتماء ، هذا السؤال التاريخي الذي وجد الجواب وخلال نحو مائة عام من المعاناة ، والحرمان في ادبيات الحركة القومية السياسية الكردية منذ انبثاقها قبل عقود : نحن كرد وسورييون في آن واحد .
اعتماد مبدأ التوازن بين القومي والوطني
في جميع الدول المتعددة الشعوب ، والقوميات ، هناك دائما هوية مزدوجة متكاملة القومية منها والوطنية ، ،وسوريا كبلد تعددي أيضا من الناحية القومية ، والثقافية ، والاجتماعية ، فان الكرد لديهم هوية قومية خاصة بهم من حيث اللغة والتاريخ ، والثقافة ، وفي الوقت ذاته انتماؤه وطني سوري ، وجزء من تاريخه ، وشريك للشعب العربي والمكونات الأخرى في تقرير مصير البلاد.
الكردي الجيد الذي لن يكون الا سوريا جيدا هو الذي يعتز بكرديته وسوريته في آن واحد ، ويتمسك بحقوقه القومية المشروعة ، ويدعو الى توحيد وإعادة بناء حركته الوطنية السياسية من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع ، ويعمل من اجل حل قضيته سلميا عبر الحوار وفي الاطار الوطني من دون أي تدخل خارجي ، او الاستقواء باعداء الشعب السوري ، هو المؤمن بالعيش المشترك ، في ظل دولة القانون والمساواة ، والعدالة ، وان سوريا لجميع مكوناته ، ويحافظ على سيادة البلاد ، ويقف في وجه أعدائها الطامعين بارضها .
وعندما يتقبل الكردي انتماءه الوطني ، والالتزامات المترتبة عليه ، من الدفاع عن البلاد وسيادتها ، ووحدتها ، والعيش في ظل الدستور والقوانين ، والحرص على الوحدة الوطنية ، وبالمقابل بل من الواجب ان يحافظ له انتماءه الوطني على هويته القومية ، ويحترمها ، ويضمن حقوقه القومية كاملة في اطار الوطن الواحد ، وفي الحالة هذه تصبح كل من الهوية القومية الكردية ، والانتماء الوطني السوري صنوان لاينفصمان ، وامران متكاملان لايتعارضان .
دائما وطوال تاريخ نضال حركتنا الكردية السورية منذ عقود كان هناك دائما من يسعى للاخلال بهذا التوازن بين القومي الخاص والوطني العام ، من جانب الأنظمة والحكومات المتعاقبة وبشكل اخص خلال حكم حزب البعث وعائلة الأسد الاب والابن ، وذلك من خلال سياسات تجاهل الكرد وعدم الاعتراف بوجودهم واضطهادهم قوميا ، ومخططات التهجير ، وتغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق الكردية ، وحرمان الكرد ليس من حقوقهم الأساسية فحسب ، بل من مستحقاتهم الوطنية كالانتساب للكلية الحربية ، والسلك الدبلوماسي ، ومؤسسات التربية وغيرها ، ومنع العمل السياسي القانوني باسم الحركة الكردية ، واعتبار القضية الكردية مسالة امنية ، والأخطر من كل ذلك ابرام الاتفاقات الأمنية في العديد من المراحل، مع أنظمة تركيا ، وايران ، والعراق في محاربة الحركة الكردية والسورية من ضمنها ، منذ فترة تسعينات القرن الماضي تحديدا .
والآن هناك من فلول النظام ، وبقايا البعثيين ، والقوميين المتعصبين الشوفينيين ، وبعض الإعلاميين ، في مختلف الأماكن وحتى في دمشق العاصمة يبذلون قصارى جهدهم في سبيل قطع الطريق على مسعى الخيرين في الإدارة الانتقالية الذين يرغبون في إرساء الوحدة الوطنية ، والانفتاح على الوطنيين الكرد ، وإيجاد الحلول ، ان أولئك يريدون العودة الى أجواء نظام الاستبداد في بث الأحقاد ، وانكار الوجود الكردي ، واعتبار الكرد السوريين مهاجرين ومتسللين ، ولا انكر هنا تواجد من يدق على الوتر ذاته في الجانب الكردي ، ويحول الاختلاف الى عداء عنصري ، ليس حبا بالكرد ، او رغبة في التحاور ، والتفاهم ، وحل القضية سلميا ، بل امعانا في تعميق الصراع ، هؤلاء جميعا ليسوا سوريين جيدين ، ولا كردا جيدين ، ويتحملون المسؤولية امام الشعب ، والوطن .
في المرحلة الراهنة وبعد اسقاط الاستبداد ، يراهن الوطنييون الكرد السورييون عموما الذين كانوا جزء من الثورة السورية ، وكل كردي جيد على مبادرة من العهد الجديد في إيجاد الحلول لكافة القضايا الوطنية وبينها القضية الكردية ، ومن اجل تحقيق ذلك لابد من اتخاذ الخطوات التمهيدية اللازمة ، مثل اعتبار الكرد مكونا قوميا من سكان سوريا الأصليين ، وتثبيت ذلك في الدستور ، ورفع المظالم عنه المستمرة منذ عقود ، وإعادة النظر في الموقف السلبي البائد من الكرد ، وقضيتهم المشروعة الذي يجب ان يرحل مع النظام الشوفيني البائد .
الخطوة المفتاحية الأولى كما يعلم الجميع هي فتح الطريق امام الوطنيين الكرد لعقد مؤتمرهم الجامع في العاصمة دمشق من اجل اعادة توحيد حركتهم السياسية المفككة الموزعة بين عشرات الأحزاب الموالية بدورها لمحاور خارجية ، وانتخاب من يمثلهم للتحاور مع الإدارة الانتقالية الحاكمة من اجل إيجاد حل توافقي للقضية الكردية .