شادي حاجي
من الضروري في البداية توضيح أن تصنيف «الأمة الكردية كأمة لا تاريخية» ليس تصنيفاً ذا طابع قانوني، بل هو توصيف فلسفي – أيديولوجي قديم استُخدم في سياقات تحليلية معيّنة، ولا يحمل أي أثر قانوني أو إلزامي. وعليه، لا يمكن لهذا الوصف أن يُستخدم لنفي حق الشعب الكردي في تقرير مصيره.
من الناحية القانونية للمسألة، لا يوجد في القانون الدولي أي أساس يستند إلى فكرة «الأمة التاريخية» أو «اللاتاريخية» لتحديد ما إذا كان لشعب ما حقّ تقرير المصير. في الفكر السياسي والقانوني المعاصر لم يعد هذا التصنيف معياراً للشرعية السياسية أو للحقوق الجماعية، إذ إن واقع الأمة الكردية في العصر الحديث يبرهن على تجاوزها لهذه التصنيفات الفلسفية القديمة.
القانون الدولي الحديث يقوم على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو حق إنساني وجماعي أصيل لا يُشترط فيه امتلاك الأمة لتاريخ عريق أو دولة سابقة. وقد ورد هذا المبدأ في: ميثاق الأمم المتحدة (المادة 1، الفقرة 2)، العهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا سيّما القرار 1514 لعام 1960 بشأن تصفية الاستعمار، والقرار 2625 لعام 1970 حول مبادئ العلاقات الودية بين الدول.
كل هذه الوثائق تؤكد أن حق تقرير المصير يعني حق الشعوب في اختيار وضعها السياسي بحرية، بصرف النظر عن مدى «تاريخية» الأمة أو اكتمال عناصرها القومية.
مضمون حق تقرير المصير
يُعتبر تقرير المصير حقاً إنسانياً جماعياً ينبع من إرادة الشعوب التي تشترك في هوية قومية أو لغوية أو ثقافية أو سياسية مميزة. ويعني هذا الحق أن «لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها»، أي أن تختار شكل كيانها السياسي بحرية تامة.
غير أن القانون الدولي يميّز بين نوعين من تقرير المصير:
أ. تقرير المصير الداخلي:
ويعني حق الشعوب في إدارة شؤونها ضمن الدولة القائمة، من خلال الحكم الذاتي، والاعتراف بالهوية الثقافية واللغوية والسياسية، والمشاركة الفاعلة في مؤسسات الدولة.
ب. تقرير المصير الخارجي (الاستقلال وتأسيس دولة مستقلة):
وهذا الشكل من تقرير المصير لا يُمنح تلقائيًا، بل يقتصر عادة على الحالات التي يتعرّض فيها الشعب لاستعمار أجنبي أو احتلال أو اضطهاد منهجي يحول دون ممارسته حقوقه داخل الدولة. وفي هذه الحالات تُعتبر الأمم المتحدة أن الانفصال أو الاستقلال هو الملاذ الأخير، بعد استنفاد جميع الوسائل الداخلية الممكنة.
وضع الأمة الكردية من منظور القانون الدولي
استنادًا إلى ما سبق ذكره أعلاه، فإن الشعب الكردي يمتلك بلا شك حقّ تقرير المصير الداخلي ضمن الدول التي يتوزع فيها (تركيا، إيران، العراق، وسوريا).
أما حق تقرير المصير الخارجي – أي إقامة دولة مستقلة – فهو ليس حقًا قانونيًا تلقائيًا، بل حق سياسي يعتمد على موازين القوى، والظروف الواقعية، ومدى الاعتراف الدولي.
حتى لو افترضنا جدلًا أن الكرد «أمة لا تاريخية» أو أن تاريخهم المكتوب بلغتهم محدود، فإن هذا الوصف لا يُنقص من حقهم القانوني والطبيعي في تقرير مصيرهم. فالقانون الدولي لا يستمد هذا الحق من «السجل التاريخي» للأمم، بل من كونها جماعة بشرية متميزة تمتلك لغة وثقافة وهوية وإرادة مشتركة.
إن معيار ممارسة حق تقرير المصير لا يُبنى على «تاريخية الأمة» أو قدمها الحضاري، بل على إرادتها الجمعية وظروفها السياسية واعتراف المجتمع الدولي بها. وعليه، فإن تصنيف الأمة الكردية كـ «أمة لا تاريخية» يبقى مسألة فلسفية لا أثر قانوني لها، ولا يمكن أن تُستخدم بأي حال لنفي حقها المشروع في تقرير مصيرها.
إلى مستقبل أفضل
ألمانيا –5 11/11/202…