كاوا رشيد
الأسبوع القادم تتجه أنظار العالم نحو واشنطن، حيث سيجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأول مرة مع الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في لقاء يُوصف بأنه حدث تاريخي قد يغيّر مجرى العلاقات السورية الأميركية بشكل لم يسبق له مثيل منذ عقود. ما بين الأبواب المغلقة في أروقة السلطة الأميركية يتردد صدى كلمة ترامب التي سبقت اللقاء، حين وصف الشرع بأنه “شريك محتمل في محاربة الإرهاب”، جملة أثارت موجة من الدهشة والاستفهام: كيف لرئيس سبق أن كان مطلوباً أميركياً أن يتحول فجأة إلى حليف؟
اللقاء المنتظر يحمل في طياته أكثر من مجرد بروتوكول دبلوماسي فواشنطن التي كانت تصنف الشرع يوماً ضمن قائمة خصومها، ترى اليوم فيه عنصر استقرار محتمل، قادراً على لعب دورٍ مباشر في محاربة “الإرهاب” الذي لم يعد مقتصراً على تنظيمات مثل داعش أو القاعدة، بل يشمل الفصائل المسلحة الأجنبية والمليشيات الإيرانية المنتشرة على الأرض السورية.
الرسالة الأميركية واضحة: لا تريد الولايات المتحدة مجرد القضاء على التنظيمات المتطرفة، بل إعادة رسم المشهد السوري بما يخدم مصالحها الإقليمية والأمنية، وتحجيم أي نفوذ لا ينسجم مع أهدافها خصوصاً النفوذ الإيراني.
لكن المشهد ليس بسيطاً للرئيس الشرع. فالشراكة التي يعلنها ترامب قد تحمل له الفرص والتحديات في آنٍ واحد. فرفع العقوبات وإعادة الاعتراف الدولي قد يفتحان أمام دمشق أبواب الاستثمار والشرعية، لكنهما في الوقت نفسه يضعانه تحت شبكة من الالتزامات الصعبة: مواجهة الفصائل الأجنبية، قبول الضغط الأميركي، وربما الدخول في تفاهمات مع إسرائيل كل ذلك بينما يحاول الحفاظ على توازنات داخلية هشّة والبعض يرى أن واشنطن قد تستخدم اللقاء كاختبار وربما كمرحلة انتقالية لإعادة تشكيل المشهد السوري وفق مصالحها تاركة الشرع وحيداً إذا لم يمتثل لمطالبها.
المفارقة الدرامية تكمن في أن الرجل الذي كان يوماً على قوائم الإرهاب الأميركية أصبح اليوم ضيفاً في أرفع مؤسسة سياسية في العالم وصفه الرئيس الأميركي بأنه “قائد براغماتي يمكنه تحقيق إنجاز تاريخي”. هذا التحوّل الصادم يختصر تناقضات السياسة الدولية من عدو إلى شريك، من مطرود إلى مرحّب به، من مطلوب إلى ممكّن. كل خطوة الآن محسوبة، وكل تصريح يحمل أكثر من معنى، وكل ابتسامة خلال اللقاء قد تكون مفتاحاً لمستقبل مشحون بالتحديات.
اللقاء المرتقب ليس مجرد حدث رمزي بل اختبار صعب وتطرح جملة من الأسئلة المشروعة هل ستكون الشراكة الحقيقية بين دمشق وواشنطن وسيلة للاستقرار وإعادة البناء، أم فخاً محكماً قد يُضعف الدور السوري ويقوّض استقلال القرار؟ التاريخ مليء بالأمثلة عن قادة تحولوا من شركاء إلى أدوات تُستنزف، والشرع يقف الآن على حافة هذا الاختبار، بين مكاسب محتملة وتهديدات خفية.
بين القلق والتفاؤل وبين الفرصة والمخاطرة، يترقب العالم يوم اللقاء الذي قد يُكتب له أن يكون بداية فصل جديد في تاريخ العلاقات الأميركية-السورية، أو بداية فصل درامي آخر تكتب أحداثه مصالح دول كبرى أكثر من كتاب السياسة السورية الداخلية كل شيء أصبح ممكنًا، وكل لحظة محسوبة، والبيت الأبيض سيشهد قريباً مواجهة حقيقية بين الماضي والحاضر، بين الشراكة والمصيدة، بين ما كان وما قد يكون.