شادي حاجي
يبدو أننا كشعبٍ كردي في سوريا، يعيش على أرضه التاريخية، في طريقنا إلى صراع، بل وصدام صعب وشاق وطويل المدى مع السلطة المؤقتة في دمشق، حول المطالب المشروعة للشعب الكردي في سوريا. ولسنا في وارد حلحلةٍ سريعة لإيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الكردية التي نطمح إليها، نظرًا لاعتماد السلطة المؤقتة في دمشق على الاستجابة الجزئية، وفي الحد الأدنى من الحقوق ، وربط حلّ القضية الكردية بعبارات المواطنة والمساواة وعدم التمييز وبعض الحلول الإدارية المحدودة ، بالإضافة إلى اعتمادها على استراتيجية تفتيت المطالب والحقوق السياسية الكردية، واللعب في صياغة التصريحات الشفهية عن الكرد بعيدًا عن ترجمتها إلى نصوص ملزمة في الإعلان الدستوري، أو حتى دعوة الجهات السياسية الكردية للتفاوض حول حلّ القضية الكردية.
قضية معقّدة مثل قضية الشعب الكردي في سوريا تحتاج عملًا جادًا، وخارطة طريق، وتدريبًا مكثّفًا للكوادر، واجتهادًا ذاتيًا، وسهرًا على قراءة جميع ما كان وما يحدث، ورسم الخطط للتعامل مع التوقّعات، لتجد طريقها نحو تحقيق الرؤية السياسية الكردية المشتركة التي أُقرّت في كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في سوريا – 26 نيسان 2025.
تلك الرؤية التي تهدف إلى الإقرار بالحقوق القومية الكردية المشروعة في الإطار السوري بنظام فيدرالي الذي توافق عليه المؤتمرون، تحتاج إلى توصياتٍ عملية على عدّة مراحل خلال الفترة الانتقالية المؤقتة، والتي ستدوم لعدة سنوات، تكون قادرة على تمكين الشعب الكردي من ممارسة حقه في تقرير مصيره ضمن دولة سورية ديمقراطية تعددية فيدرالية يضمن العدالة والمساواة بين جميع المكوّنات.
المرحلة الأولى
- توحيد الموقف والرؤية السياسية الكردية المشتركة التي تضمّ معظم الأحزاب والمنظمات والشخصيات الكردية الفاعلة في سوريا التي شاركت في الكونفرانس، وهذا ما تمّ تحقيقه.
- تشكيل الوفد الكردي المفاوض، وقد تحقق ذلك، ودوره واضح ومفهوم، ويجب دعمه وتفعيله لا تهميشه.
- تأسيس الهيئة أو المرجعية الكردية العليا للقرار السياسي من خلال إجراء انتخابات نزيهة ، وهو ما لم يحصل حتى الآن، وكان ومازال خطأً فادحًا. والمطلوب من صُنّاع القرار السياسي الكردي في سوريا تدارك الأمر بالسرعة الممكنة.
مهمة الهيئة أو المرجعية الكردية العليا التي نأمل أن تتشكّل:
صياغة المواقف السياسية الكردية وفق المستجدات في سوريا والمنطقة.
تحديد الخطوط التفاوضية مع دمشق والجهات الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري.
اعتماد النظام التوافقي في اتخاذ القرار لتجنّب الانقسامات الحزبية.
الالتزام بوثيقة الرؤية السياسية المشتركة ، لأن قوتها تكمن في قدرتها على تشكيل الرأي العام وتوجيه القرارات المستقبلية.
ترجمة الوثيقة إلى خطة تنفيذية بخارطة طريق تتضمّن مراحل واضحة (الاعتراف الدستوري، المشاركة في مؤسسات الدولة، المناصب الحكومية… نموذجًا).
نشر الوثيقة للعلن واعتمادها رسميًا لتمثيل الشعب الكردي أمام أي جهة داخلية أو خارجية.
- إطلاق مجلس استشاري من المجتمع المدني يضم ممثلين عن النساء والشباب والمثقفين والمغتربين.
مهمة المجلس الاستشاري:
مراقبة أداء الوفد الكردي المفاوض وأداء الهيئة أو المرجعية الكردية العليا ومدى التزامهما بالرؤية السياسية المشتركة.
ضمان بقاء القرار السياسي قريبًا من نبض وإرادة وتطلعات الشعب الكردي في سوريا.
المرحلة الثانية
- بدء مفاوضات رسمية مع دمشق عبر الوفد الكردي المفاوض، استنادًا إلى الرؤية السياسية المشتركة التي أقرّها المؤتمر.
- التمكين الدستوري والسياسي عبر الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة بمواد فوق الدستورية لتجنب خضوع هذه المواد لمسألة التصويت وتغيير الحكومات .
- ضمان اللغة الكردية في التعليم والإدارة.
- اعتماد الفيدرالية أو الحكم الذاتي في روج آفا كردستان .
- المطالبة برعاية أممية على الاتفاقيات التي قد تتمّ مع السلطة المؤقتة في دمشق، عبر (الأمم المتحدة – الاتحاد الأوروبي – جامعة الدول العربية) أو من خلال دول التحالف الدولي ، لتوفير الضمانات اللازمة.
- المشاركة الفعّالة في اللجنة أو الجمعية التأسيسية للدستور القادم.
المطالبة بإدراج المواد التالية:
الإقرار بأن سورية دولة متعددة القوميات والأديان والطوائف والثقافات.
الحق في إدارة الشؤون في روج آفا كردستان وفق النظام الفيدرالي أو الحكم الذاتي ضمن وحدة الدولة.
اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية في المناطق الكردية.
- تعزيز التحالفات الوطنية:
بناء جبهة سورية واسعة مع القوى الديمقراطية والعلمانية (العرب، السريان، الآشوريين، التركمان، الدروز…).
تأكيد أن المشروع السياسي الكردي ليس انفصاليًا بل وطنيًّا جامعًا.
إنشاء منتدى سوريا التعددية بمشاركة هذه المكوّنات.
المرحلة الثالثة
- البناء المؤسسي السياسي والإداري والمجتمعي، وإعادة تنظيم المؤسسات في روج آڤا كردستان .
- توحيد الإدارات في (الجزيرة – كوباني – عفرين) ضمن إدارة سياسية وبنية موحدة تخضع لمعايير الشفافية والتمثيل النسبي.
- تطوير نظام مالي محلي (ضرائب، موارد، استثمارات، اقتطاع نسبة من الثروة النفطية والمعادن الأخرى) يتيح تمويلاً ذاتيًا للمناطق الكردية دون الاعتماد الكامل على المركز.
- تأسيس جهاز رقابة مستقل يضمن عدم تسييس الموارد أو احتكارها حزبيًا.
- تعزيز الهوية والثقافة واللغة:
دعم التعليم باللغة الكردية بجميع مستوياته، وتوثيقه في مناهج رسمية بالتعاون مع وزارة التربية المستقبلية.
إنشاء هيئة الثقافة الكردية الوطنية لتوثيق التراث والفنون والهوية ضمن الإطار السوري العام.
إقامة مراكز أبحاث ودراسات حول التعدد الثقافي في سوريا.
- بناء علاقات إقليمية ودولية متوازنة، وفتح قنوات دبلوماسية مع بعثات الأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية.
الحفاظ على استقلال القرار الكردي السوري، مع الاستفادة من تجربة كردستان العراق في إدارة الإقليم .
تجنب أي اصطفاف عسكري أو سياسي خارجي قد يُضعف الموقف التفاوضي .
المرحلة الرابعة:
1 – إجراء التقييم والمراجعة حول مدى تحقق البنود المتفق عليها في الوثيقة السياسية ، وإعداد تقييم شامل للإنجازات التي تم تحقيقها خلال المراحل السابقة .
2 – عرض النتائج على مؤتمر كردي عام جديد بعد استكمال جميع المراحل ، وذلك بهدف تجديد التفويض السياسي والشعبي، وتحديد أهداف مستقبلية يتفق عليها ضمن إطار الدولة السورية الفيدرالية .
المبادئ العامة الحاكمة :
لا انفصال، بل شراكة حقيقية في بناء سوريا الجديدة.
الحل سياسي ودستوري، لا عسكري.
3 – الوحدة الكردية شرط أساسي لأي مكسب قومي ووطني.
وأخيراً وليس آخراً الاعتراف المتبادل بين المكونات السورية هو طريق السلام الدائم .
وإلى مستقبل أفضل
ألمانيا في 4/11/2025