انكشاف الأقنعة

مسلم شيخ حسن – كوباني

في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ ممارسات النظام البعثي تشهد الساحة السورية موخراً حملة مسعورة تستهدف الشعب الكردي وقضيته الوطنية العادلة ليس من قبل بقايا النظام فحسب بل من داخل بعض أوساط المعارضة التي كانت حتى الأمس القريب ترفع شعارات الحرية والكرامة وحقوق المكونات. هذه الهجمة ليست حدثًا عابراً بل مؤشراً على انكشاف الخطاب الزائف الذي تبنته فصائل وشخصيات معارضة لطالما استغلت معاناة الكرد لتجميل صورتها أمام الرأي العام  قبل أن تكشف الأحداث الأخيرة عن حقيقتها، معارضة تتحدث بلغة النظام نفسه وتعيد إنتاج أدواته في الإقصاء والإنكار وإن بثوب جديد.

لقد اتضح أن العديد ممن قدموا أنفسهم يوماً كمدافعين عن حقوق الكرد لم يكونوا سوى انتهازيين سياسيين. استخدموا خطاب المظلومية الكردية كورقة ضغط على النظام ثم تخلوا عنه عندما لم يعد يخدم مصالحهم أو أجنداتهم. واليوم، يهاجمون الكرد منه لأنهم أصبحوا قوة مؤثرة في المعادلة السورية، ولأنهم أثبتوا قدرتهم على إدارة مناطقهم والدفاع عن وجودهم في وجه الإرهاب وهو ما يثير حفيظة كل من أراد للكرد أن يبقوا تابعين وضعفاء .

ومن المؤسف أن تتبنى شخصيات كانت تحسب على  “المعارضة الديمقراطية” تبنت خطاباً يذكرنا ببيانات حزب البعث وأجهزته الأمنية حين أنكرت وجود الكرد واصفة إياهم بالدخلاء أو الانفصاليين. هذا التدهور الأخلاقي والسياسي لا يسيء الى الكرد بقدر ما يكشف عن عمق أزمة المعارضة السورية التي فشلت المعارضة في تقديم نموذج وطني جامع  وانزلقت لنفس العقلية القومية الإقصائية التي دمرت النظام أخلاقياً قبل الثورة ودمرته سياسياً.

على مدار تاريخه في سوريا أثبت الشعب الكردي أنه الأكثر ولاءً لوطنه والأكثر ولاءً لانتمائه. لم يتوان يوماً عن واجبه في الدفاع عن أرضه وشعبه سواءً في وجه الاحتلال أو الإرهاب أو القمع. إلا أن هذا الولاء قوبل بسياسات التهميش والإهانة من قبل النظام والمعارضة على حد سواء وكأن الكرد سيدفعون ثمن وطنيتهم ​​مرتين مرة في ظل النظام، ومرة ​​أخرى في ظل معارضة تتقبل خطابه. لكن الحقيقة التي لم يدركوها بعد هي أن الشعب الكردي لا يهاب الاتهامات وأن قضيته لا يمكن أن تكون خطاباً للتغيير. فالكرد في سوريا، كما في سائر اجزاء كردستان باقون على عهدهم لقضيتهم القومية والإنسانية ولا يمكن لأي حركة سياسية مهما عظمت أن تمحو وجودهم أو تمحو تاريخهم العريق في هذه الأرض.

إن من يحاولون اليوم حرمان الكرد الذين من حقهم في الوجود والاعتراف بهم إنما يكرر مأساة سوريا من جديد  ويؤكد أن القمع ليس نظاما فقط بل ثقافة لا زال البعض يحملها في وعيه السياسي. ما لم تتحرر المعارضة من هذه العقلية الإقصائية فلن تكون بديلاً عن النظام بل تقليداً فجاً له في شكل آخر. مع انطلاق مرحلة انتقالية جديدة في دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أتيحت فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة السورية على أساس التضامن والمواطنة المتساوية. لذلك، فإن تجاهل المكون الكردي أو تهميشه سيكون خطأً استراتيجياً فادحاً لان الكرد ليسوا أقلية هامشية، بل جزء أصيل ومحوري في المعادلة الوطنية والسياسية السورية .

على الإدارة الجديدة أن تدرك أن سوريا المستقبل لا تبنى على الإقصاء أو التمييز بل على التفاهم بين جميع مواطنيها عرباً وكرداً وسرياناً وآشوريين وغيرهم تحت راية دولة عادلة وديمقراطية. إن مشاركة الكرد في كتابة الدستور وإدارة شؤون البلاد هي الضمانة الحقيقية لوحدة سوريا واستقرارها والخطوة الأولى نحو بناء وطن يضم الجميع دون استثناء.

4 / 11 / 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…