إذا كان بيتك من زجاج، فلا ترمِ بيوت الآخرين بالحجارة.

مسلم شيخ حسن – كوباني

  يُعبر المثل القديم “إذا كان بيتك من زجاج، فلا ترمِ بيوت الآخرين بالحجارة” عن ضرورة التحلي بالتوازن والوعي الذاتي قبل توجيه اللوم إلى الآخرين  فالنقد البناء يتطلب إدراكاً عميقاً لواقع الإنسان الداخلي قبل الإقدام على تقييم أو انتقاد غيره .

وفي هذا السياق يبرز تصريح دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية في تركيا  تجاهل هذا المبدأ. فقد دعا السلطات السورية إلى تغيير اسم البلاد من “الجمهورية العربية السورية” إلى “الجمهورية السورية”، مدعياً أن الاسم الحالي لا يعكس التنوع القومي داخل البلاد. ورغم أن هذا المطلب من الناحية المبدئية يبدو مشروعاً  لأنه يدعو إلى صيغة وطنية أكثر شمولاً إلا أن المفارقة الكبرى تكمن في تجاهل أصحابه للواقع الداخلي لبلدهم حيث يعيش نحو عشرين مليون كردي على أراضي أجدادهم داخل تركيا، وهم مازالوا حتى اليوم محرومين من ابسط حقوقهم القومية والثقافية والسياسية.

إن مطالبة دولت بهجلي للحكومة السورية بتبني صيغة أكثر حيادية في التسمية تفقد مصداقيته حين يقارن بممارسات الدولة التركية تجاه مكوناتها القومية  و على رأسها الشعب الكردي الذي لايزال يواجه سياسات تمييز و تهميش مستمرة.فكيف لزعيم حزب قومي أن يطالب دولة أخرى باحترام التنوع بينما يغض الطرف عن واقع الإقصاء في بلده.

من منظور سياسي يظهر خطاب بهجلي ازدواجية في المعايير بل ومحاولة واضحة لاستغلال مشاكل الشعوب الأخرى لتحقيق مكاسب سياسية محلية أو إقليمية. لو كانت تركيا جادة حقاً في دعم العدالة والمساواة بين المكونات القومية لبدأت بتحسين وضعها الداخلي وضمان حقوق مواطنيها الكرد قبل أن توجه النصائح إلى الدول الأخرى.

 لذلك، يمكن القول إن مطلب السيد بهجلي رغم صحته النظرية يفتقر الى الاتساق  الأخلاقي و السياسي، لأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل. فالشعوب لا تقاس بشعاراتها بل بأفعالها والسلام لا يبنى على ازدواجية المعايير بل على الاعتراف المتبادل بحقوق الإنسان وكرامته.

أهم رسالة يمكن استخلاصها من هذا الوضع هي أن على السياسيين قبل الإدلاء بتصريحاتهم أن يوازنوا بين أقوالهم وأفعالهم  وأن يدركوا أن الشفافية الداخلية هي أساس مصداقية مواقفهم الخارجية. وكما يقول المثل: “من كان بيته من زجاج فليحذر من رمي الآخرين بالحجارة”.

 11 / 10 / 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…