ممارسات النظام السوري الحالي لسياسة الإقصاء بحق الكرد في سوريا

إبراهيم حاج صبري  

رغم كل الخطابات التي ترفع شعار الحوار الوطني والوحدة السورية فإن تجاهل الإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع لعيد نوروز، وعدم إدراجه عطلة رسمية، يكشف أن السياسات القديمة في الإقصاء والتهميش لا تزال مستمرة وإن تغيرت الوجوه. هذا التجاهل لا يمكن النظر إليه كخطأ بروتوكولي بسيط، بل هو استمرار لنهج سياسي لحكومات سورية قبل والآن قائم على إقصاء الكرد وتهميش هويتهم القومية والثقافية، وتقديم التنازلات لمراكز النفوذ الخارجية، ولا سيما لحكومة أنقرة ذات التوجه المتشدد والعداء المعروف للكرد…

الإدارة الانتقالية التي يفترض أن تمثل جميع السوريين، تظهر في مواقفها الأخيرة أنها تستجيب لضغوط حكومة أردوغان ونهجها “الإخواني” المتعفن أكثر مما تستجيب لحاجة السوريين إلى العدالة والمساواة. إن استبعاد عيد نوروز من قائمة الأعياد الرسمية ليس مجرد تجاهل لرمز ثقافي، بل هو رسالة سياسية سلبية تؤكد أن السلطة الجديدة ما زالت أسيرة الفكر الإقصائي، وأنها لم تتجاوز بعد ذهنية المركز – الإخوانجي الشوفيني المتعفن التي همشت المكونات غير العربية لعقود طويلة.

عيد نوروز برمزيته العميقة ليس مجرد يوم احتفال بل هو عنوان لهوية الشعب الكردي وتاريخه الطويل في المنطقة. إنه عيد مرتبط بالأرض والحرية والتجدد  ويحمل معاني المقاومة والاستمرارية. تجاهله رسميًا يعني تجاهل مئات الآلاف من المواطنين الكرد الذين يرون فيه يومهم القومي ورمز وجودهم، ويؤكد أن الدولة أو الإدارة الحالية في سوريا ما زالت تنكر أبسط مظاهر التنوع الثقافي في المجتمع السوري.

هذا الموقف يعكس غياب الرؤية الوطنية الجامعة ويؤكد أن الاعتراف بعيد نوروز لا يعد مطلبًا كرديًا ضيقًا. بل هو خطوة ضرورية لترسيخ قيم التنوع والعدالة والمواطنة المتساوية في سوريا المستقبل. فاحترام ثقافة المكونات المختلفة هو الأساس الحقيقي لبناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وهو ما يغيب تماما عن سلوك الإدارة الانتقالية الحالية التي تكرر أخطاء الماضي بصيغ جديدة، وتعيد إنتاج الذهنية الإقصائية ذاتها التي أسهمت في تفكك البلاد.

إن محاولة تهميش الكرد وإرضاء الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها أنقرة، لن تبني دولة ديمقراطية بل ستعيد إنتاج الأزمة السورية بأشكال مختلفة. فالكرد اليوم ليسوا أقلية تبحث عن اعتراف رمزي، بل مكون وطني أصيل أثبت وجوده من خلال نضاله ومساهماته الفعالة في محاربة الإرهاب والدفاع عن وحدة التراب السوري. لذلك فإن أي مشروع سياسي في سوريا يتجاهل حقوقهم الثقافية والسياسية مصيره الفشل لأنه يتجاهل ركيزة أساسية من ركائز الدولة السورية الحديثة.

الدفاع عن نوروز هو دفاع عن مبدأ المساواة وعن فكرة الدولة التعددية التي تعترف بكل مكوناتها دون استثناء. إن إقصاء الكرد عن الرموز الوطنية، وتجاهل مناسباتهم القومية هو رفض ضمني لوجودهم كشعب أصيل في هذه الأرض. وما لم تدرك الإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع أن الكرد ليسوا هامشا في التاريخ السوري، بل شريكا أصيلا في بنائه فإن خطابها عن الحوار والمصالحة سيبقى بلا مضمون وستفقد ثقة مكون أساسي من مكونات البلاد.

إن تجاهل عيد نوروز ليس تفصيل صغيراً في مشهد سياسي معقد، بل دليل على استمرار الذهنية الإقصائية التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه. فالدولة العادلة لا تبنى بالشعارات بل بالاعتراف الصريح بحقوق الشعوب والمكونات. الكرد في سوريا لن يقبلوا أن يكونوا ضيوفا في وطنهم ولن يسكتوا عن محاولات طمس هويتهم تحت شعارات “الوحدة” الزائفة. الاعتراف بعيد نوروز ليس منة من أحد بل حق طبيعي وإنساني وامتحان حقيقي لكل من يدعي السعي نحو سوريا جديدة تقوم على التعدد والمواطنة والكرامة الإنسانية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…