الفرق بين الدستور والقانون

شادي حاجي

لا يخفى على المهتمين بالثقافة القانونية أن الدستور والقانون هما وثيقتان قانونيتان أساسيتان في أي دولة، ولكنهما يختلفان جوهرياً في الهدف والمضمون، فالدول تُبنى على أسس قانونية ومؤسساتية واضحة، ومن أبرز معالم الدول وجود دساتير تُنظم السلطات وتكفل الحقوق والحريات من جهة، ولضمان العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وتعزيز المشاركة الوطنية في ظل التنوع من جهة أخرى.

 ومن هنا تبرز أهمية التمييز بين الدستور والقانون والعلاقة بينهما:
الفرق الجوهري هو أن الدستور هو الوثيقة القانونية الأساسية الأسمى في الدولة، التي تُحدّد طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتضع الإطار العام والهيكل السياسي، وتنظّم العلاقة بين السلطات وصلاحيات كل منها، وتضمن الحقوق والحريات والواجبات الأساسية العامة للمواطنين، وبذلك تضمن استقرار المجتمع وسيادة القانون. بينما القانون هو مجموعة من القواعد العامة الملزمة التي تصدر عن السلطة التشريعية وفقًا للإجراءات الدستورية لتنظيم مجالات محددة من حياة وسلوك الأفراد ومختلف جوانب الحياة في المجتمع، في مجالات معينة مثل (قانون العقوبات أو القانون المدني أو قانون العمل أو القانون التجاري)، ويُطبق على جميع الأفراد والمؤسسات في الدولة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع.
1 – المرتبة القانونية:
الدستور هو القانون الأعلى في الدولة، ويحتل قمة الهرم القانوني، ويُعد الأساس الذي تُبنى عليه جميع القوانين الأخرى. بينما القانون هو تشريع يقع تحت سلطة الدستور، ويأتي في مرتبة أدنى، ويجب أن تُسن وفقًا لأحكامه ومبادئه ولا يجوز أن يخالفه.
2 – آلية وإجراءات الإصدار والتعديل:
الدستور غالبًا ما يُقر من خلال جمعية تأسيسية أو استفتاء شعبي، وتعديله يتميز بإجراءات تعديل صارمة ذات طبيعة خاصة، تختلف عن تعديل القوانين، ويتطلب أيضًا موافقة واسعة تُقدّر بثلثي أعضاء البرلمان أو استفتاء شعبي. بينما القانون يُصدر من السلطة التشريعية (البرلمان – مجلس الشعب) ويُعدّل وفقًا للإجراءات التشريعية البرلمانية العادية الأكثر سهولة، ويُعتبر وسيلة لتنفيذ أحكام الدستور.
3 – الهدف والتفاصيل:
الدستور يحدد المبادئ والأسس العامة للنظام السياسي والقانوني والاجتماعي، بما في ذلك شكل الدولة، نظام الحكم، تنظيم السلطات، والحقوق الأساسية للمواطنين.
بينما القانون يضع القواعد التنظيمية التفصيلية التي تُنظّم الجوانب العملية اليومية للعلاقات الاجتماعية والسياسية لحياة المواطنين داخل الإطار الدستوري.
يمكن القول بالمجمل إن الدستور، باعتباره المصدر الأعلى للقوانين، يشكل العقد الاجتماعي الذي تتأسس عليه الدولة.
إلى مستقبل أفضل
ألمانيا، في 8/10/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…