صالح جانگو
ان إصدار سلطة الأمر الواقع المؤقتة في سوريا المرسوم الذي حددت فيه الأعياد الرسمية في البلاد، والذي تجاهلت فيه بشكلٍ لافت ومتعمد (عيد النوروز)، العيد القومي للشعب الكردي،هذا العيد الذي يشكل أحد أبرز رموز هويته القومية و الثقافية والنضالية على مر التاريخ.
هذا التجاهل لم يكن صدفة، ولا يمكن اعتباره مجرد خطأ إداري. بل هو قرار سياسي وأيديولوجي بامتياز، يكشف بوضوح طبيعة الفكر الذي يحكم هذه السلطة، وفهمها الضيق والمغلق لمفهوم الوطن والمواطنة. فهو يعرف حق المعرفة بأن (عيد النوروز) بالنسبة للكرد ليس مجرد احتفال موسمي، بل هو رمز للحرية والانبعاث، يجسد روح النضال ضد الظلم، ويعبر عن ارتباط الإنسان بالأرض والحياة. تجاهله هذا يعني ببساطة إنكار وجود شعبٍ أصيل يعيش على ارضه التاريخية و انكار لحقه في التعبير عن ذاته.
السبب الحقيقي وراء هذا الإقصاء لا يكمن في التفاصيل الإدارية أو القانونية، بل في المنطلقات الأيديولوجية التي تقوم عليها هذه السلطة، ذات الجذر السلفي الجهادي. هذه الأيديولوجيا، بطبيعتها، لا تؤمن بالتنوع، ولا تعترف بالاختلاف الديني أو القومي أو الثقافي، بل تعتبره تهديداً لوجودها يجب محوه. ومن هنا، فإن تجاهل عيد النوروز ليس إلا امتداداً لمنهج فكري يسعى إلى فرض لونٍ واحد وصوتٍ واحد، وإلغاء كل ما سواه. لذلك يجب ان ندرك بأن السلطة التي لا ترى في الكرد مكوناً رئيسياً من مكونات الدولة السورية وشريكاً أساسياً ، ولا تحترم رموزهم وأعيادهم، لا يمكن أن تؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية. لأنها ببساطة لا تعترف بوجود الآخر المختلف عنها، ولا تتقبل فكرة سوريا المتعددة بتنوع شعوبها وثقافاتها. وهذا النهج الإقصائي، الذي بدأ بإلغاء عيدٍ قومي، قد يمتد ليشمل إلغاء حقوق ومطالب كاملة لشعبٍ بأسره..
إن هذا المرسوم يفضح حقيقة هذه السلطة أكثر من أي بيان سياسي. فهو يؤكد أن أصحاب هذه العقلية وهذا الفكر الإقصائي لا يمكن الوثوق بهم لبناء مستقبلٍ مشترك، لأن من لا يعترف بعيدك لن يعترف بحقك، ومن لا يحترم رموزك لن يحترم وجودك. الحرية لا تُختصر في شعارات، بل تبدأ من احترام هوية الآخر وحقه في أن يكون كما هو. لذلك، فإن تجاهل عيد النوروز اليوم هو إنذار مبكر بأن هذه السلطة لا تسعى إلى بناء وطنٍ للجميع، بل إلى تثبيت سلطةٍ أحادية اللون والفكر، لا ترى في سوريا إلا صورتها الخاصة.
وفي النهاية، يمكن القول إن المرسوم لم يلغِ (عيد النوروز ) بقدر ما فضح عقلية من أصدره. فالنوروز سيبقى عيداً للحرية، ورمزاً قومياً راسخاً للكرد مهما حاولت السلطات تغييب شمسه. لأن الشعوب التي تحتفل بالحياة لا يمكن محوها بقرارٍ أو مرسوم.