زاكروس عثمان
كفّوا عن دعم الإرهاب… نكفّ عن الهجرة
السياسات الغربية تُشعل الحروب ثم تتذمّر من اللاجئين
تنظر حكومات الدول الغربية إلى وقف الهجرة غير الشرعية والحد من تدفق طالبي اللجوء وإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية بوصفها قضية مركزية في أجنداتها السياسية. فهي تخصّص لهذه المسألة وقتاً وجهداً وموارد مالية ضخمة، لكنها في نهاية المطاف لا تحقق النتائج المرجوّة. فما زالت قوافل المهاجرين تتجه إلى أوروبا، وما زال معظم اللاجئين الحاصلين على حق اللجوء يرفضون العودة الطوعية إلى أوطانهم.
ان العامل الأكبر وراء موجات الهجرة ليس الفقر وحده كما يتخيل البعض، بل الحروب وانعدام الأمن هي التي تنتج مزيدا من الفقر. وكان على الدول الأوروبية أن تتعلّم من تجربة عام 2015، عندما تسببت النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط في موجة هجرة مليونيه، لم تنجح الإجراءات الأمنية ولا القوانين الصارمة في إيقافها. ولو أرادت هذه الدول فعلاً الحد من الهجرة، لكان عليها أن تعمل بجدية على إنهاء النزاعات، لا أن تكتفي بسياسات الردع والملاحقة.
المؤسف أن السياسات الغربية، بدلاً من أن تساهم في إخماد الحرائق، كثيراً ما تعمل على تأجيجها. لقد رأينا كيف أن دولاً أوروبية رحّبت من دون تمحيص باستيلاء الإرهابي أبو محمد الجولاني على السلطة في سوريا، بل ان بعض منها ساهمت في ايصاله إلى السلطة، وسارعت إلى تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي له، وساعدته على بسط نفوذه. هذا الدعم شجّعه على الانفراد بالسلطة وتشكيل حكومة إرهابية، ارتكبت مذابح جماعية بحق المكونات السورية الاخرى الدينية والقومية، ومن باب الاحتقار وتشريع ابادة هذه المكونات يسميها نظام الارهاب وانصاره بـ اقليات، والاقلية في منظورهم تهمة دينية (كفر ) وسياسية (خيانة) هذه التهم عقوبتها هي إقامة الحد، انطلاقا من هذه القناعة بدأت عصابات السلطة الارهابية باستهداف المكوّن العلوي في الساحل السوري، وارتكبت جرائم حرب فظيعة، وما زال عدد الضحايا وهم بالألوف غير معروف، حيث تعمل بعض الدول على طمس الحقائق، بتشكيل لجان تحقيق غير نزيهة، فهل نعاتب العلويين ان هم خرجوا من موطنهم إلى بلد اوروبي هربا من الموت، ام نحاسب هذا البلد الاوروبي الذي يعمل على تعويم نظام الارهاب في دمشق، ونتيجة تواطئ الدول توجهت عصابات الجولاني لضرب المكون الدرزي في السويداء بالجنوب السوري، حيث وقعت هناك مجازر وانتهاكات فظيعة، فهل على المواطن الاوروبي الامتعاض من الدروز ان هم غادروا ديارهم باللجوء إلى اوروبا طلبا للنجاة، ام يجب الامتعاض من الحكومات التي تدعم السلطة الارهابية، ما يحدث هو ان المجتمع الدولي يقتدي بالدول الغربية روسيا والصين ليغض النظر عن جرائم الجولاني ونظامه، وبدلاً من محاسبته على هذه الجرائم، يتم مكافئته بالاعتراف بشرعيته، والترحيب به في الامم المتحدة، هذا المحفل الدولي المفروض به الدفاع عن الشعوب وليس مباركة زعيم إرهابي.
واليوم، يدفع الجولاني بقواته لمهاجمة المكوّن الكوردي في كوردستان سوريا ـ روجآفا، وسط مخاوف من تحوّل الاشتباكات إلى حرب شاملة جديدة, ونظرا لتعقيدات الخارطة الديموغرافية وتداخلها وامتدادها خارج الحدود السورية شرقا وشمالا، والحجم الكبير للقوة البشرية لدى طرفي النزاع جيش سلطة الارهاب وقوات سوريا الديموقراطية ـ قسد، فان الحرب في هذه المنطقة ستكون مختلفة عن حروب عصابات الجولاني في الساحل والسويداء، حرب ضارية ستكون وبالا على المدنيين من مختلف المكونات، ستدفع بمئات الآلاف من السوريين بمناطق الادارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا للنزوح والتوجه نحو أوروبا. عندها، لن يكون من المنطقي أن يتذمّر المواطن الأوروبي من قدوم لاجئين جدد، لأن هؤلاء لم يغادروا أوطانهم طوعاً، بل دفعتهم إلى ذلك سياسات حكومات أوروبية تراهن على حكومات إرهابية في الشرق الاوسط لمعالجة ازمة اللاجئين.
إن الدول الغربية اليوم تسعى للتخلّص من اللاجئين عبر تقليص فرص الهجرة الشرعية وتشديد إجراءات الإعادة إلى البلدان الأصلية، لكنها في الوقت نفسه تتجاهل مسؤوليتها المباشرة عن خلق الظروف التي تسببت في هذه الهجرة، لذلك نقولها بوضوح: إذا أردتم وقف موجات اللجوء والهجرة، كفّوا أولاً عن دعم الحكومات الإرهابية التي لا تكف عن اشعال الحروب في بلداننا. حين تُطفأ النار هناك، لن يطرق أحد أبوابكم هارباً من الجحيم.