بيان التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية حول ما يسمى بالانتخابات التشريعية في الجمهورية العربية السورية

نحن في التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية نعلن رفضنا القاطع لما يسمى بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد في الخامس من تشرين الأول 2025م في مناطق سيطرة الحكومة السورية الانتقالية، لما شابها من مخالفات جوهرية وانعدام تام للشرعية القانونية والدستورية والسياسية. فهذه الانتخابات لا تعبّر عن الإرادة الحرة للشعب السوري، بل تمثل استكمالًا لمشروع سلطة الأمر الواقع التي تسعى إلى تكريس حكم فصائلي عقائدي يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إنّ ما أُعلن عنه تحت مسمى “مجلس الشعب السوري” لا يمتّ بصلة إلى المعايير القانونية أو الدستورية التي تُكسب أي سلطة شرعيتها السياسية والأخلاقية، بل جاء تتويجًا لهيمنة أيديولوجية مغلقة تسعى لفرض سلطة دينية متشددة تُقصي المكونات القومية والدينية، وتمنع أي مشاركة سياسية حقيقية.

 تدّعي حكومة الجولاني أن الانتخابات استندت إلى مسودة الدستور السوري الانتقالي، في حين أن أغلب المكونات الوطنية السورية، وفي مقدمتها القوى الكوردية والسريانية والدرزية والعلوية، ومعها طيف واسع من المكوّن السني المدني، لا تعترف بهذه المسودة التي وضعت السلطتين التشريعية والقضائية تحت وصاية السلطة التنفيذية. فبينما تنص المادة الثانية على مبدأ فصل السلطات، تُلغي المادة الحادية والثلاثون هذا المبدأ عمليًا بمنح رئيس الحكومة صلاحيات شبه مطلقة في تعيين أعضاء السلطتين التشريعية والقضائية، مما يجعل كل المؤسسات رهينة لقرار الفرد. وقد استُخدمت هذه الصلاحيات لتعيين سبعين نائبًا من أصل مئتين وعشرة دون أي اقتراع، بينما خضع الباقون لاختيار لجان شكلها الرئيس نفسه، في خرق واضح لمبدأ الانتخاب العام المتكافئ المنصوص عليه في المادة الحادية والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لقد افتقرت هذه العملية إلى أبسط المعايير الدولية التي حدّدتها الأمم المتحدة للانتخابات الحرة والنزيهة، كما ورد في المادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللتين تؤكدان على أن “إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكم” وأن “الانتخابات يجب أن تُجرى دوريًا بالاقتراع العام الحر والمتساوي والسري بما يضمن التعبير الحقيقي عن إرادة الناخبين”. لم تتوافر أي من هذه الشروط في انتخابات حكومة الجولاني التي جرت دون رقابة أممية مستقلة، أو إشراف محلي حيادي، في انتهاك مباشر لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم A/RES/46/137 لعام 1991، الذي يربط شرعية أي عملية انتخابية بوجود مراقبة دولية مستقلة، وكذلك لوثيقة كوبنهاغن الصادرة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1990، التي تؤكد أن النزاهة الانتخابية تتطلب إشرافًا دوليًا ومحليًا مستقلًا. كما أن الإدارة الأممية للمساعدة الانتخابية (UN EAD – 2005) تعتبر أن أي عملية انتخابية تُجرى دون إشراف أممي تعد فاقدة للمشروعية الدولية.

ترافقت هذه الانتخابات مع تقييد شامل للحريات العامة ومنع للأحزاب والتنظيمات المدنية من المشاركة أو التعبير عن رأيها بحرية، بينما احتكرت هيئة تحرير الشام والمنظمات التابعة لها عملية الترشيح والتصويت والفرز، وهي الجهات ذاتها المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية، ما يجعل العملية برمتها مسرحية سياسية لتجميل وجه سلطة تكفيرية لا تختلف في جوهرها عن الأنظمة الشمولية التي أسقطتها الشعوب.

وقد تم تغييب كامل للمكونات القومية والدينية في سوريا، وفي مقدمتها الشعب الكوردي الذي استُبعد من العملية برمتها، إضافة إلى تغييب الدروز، والسريان، والآشوريين، والعلويين. كما أن ما سُمّي بكوتا المرأة بنسبة 20% لم يكن سوى محاولة تجميل شكلية، إذ إن معظمهن تم تعيينهن مباشرة بقرار من رئيس الحكومة الإنتقالية، أحمد الشرع، والبقية مررن عبر لجان خاضعة له. وبهذا تحوّل المجلس التشريعي إلى ما يشبه “مجلس بيعة عقائدية” يخضع لمنطق الطاعة لا لمنطق التمثيل الديمقراطي.

إنّ ما يسمى بالمجلس التشريعي فقد جوهره السياسي والإنساني، لأنه استبدل مبدأ المواطنة بمبدأ الولاء العقائدي، وحوّل الانتماء الوطني إلى طاعة شخصية. وبهذا المعنى، فإن ما جرى لا يختلف قانونيًا عن أي سلطة دينية استبدادية تستند إلى القوة لا إلى الإرادة الشعبية. وبحسب معايير الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فإن أي انتخابات تُجرى في بيئة يُقصى فيها طرف سياسي أو قومي أو تُمنع فيها حرية التعبير والتنظيم تُعتبر باطلة قانونًا وفاقدة للشرعية الدولية.

إن الشرعية السياسية لا تُستمد من الفتاوى ولا من صناديق مغلقة تُدار في غرف مظلمة، بل من الشعب، مصدر السلطة الوحيد. وما قامت به حكومة الجولاني ليس انتخابات، بل إعادة إنتاج لسلطة استبدادية جديدة بثوب ديني تكفيري، تُعيد خطاب النظام البعثي بأسلوب آخر، وتحوّل سوريا من دولة مغلقة قوميًا إلى دولة مغلقة دينيًا، تُقصي المختلف وتكفّر المعارض وتُحاصر التنوع السوري باسم الشريعة.

إنّ التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية يعتبر أن هذه العملية باطلة سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا، ولا يمكن الاعتراف بأيّ مجلس منبثق عنها، لأنها تمثل فئة أيديولوجية واحدة ولا تعبّر عن الإرادة الوطنية الجامعة. كما نحذر المجتمع الدولي من التعامل مع أي مؤسسة أو هيئة ناتجة عن هذه المهزلة السياسية، لأنها استمرار لسياسة الإلغاء التي مارسها النظام البعثي سابقًا، وإنْ اختلفت الشعارات.

إن الشرعية الوحيدة الممكنة في سوريا هي الشرعية المستمدة من الشعب عبر انتخابات حرّة نزيهة تُجرى وفق القرار الأممي 2254 وتحت إشرافٍ دولي شامل، وبمشاركة جميع السوريين دون إقصاء أو تمييز. فالثورة السورية التي قامت من أجل الحرية والكرامة لا يمكن أن تُختزل في سلطة فصائلية تحتكر التشريع باسم “الشرع” وتلغي التعدد باسم “الوحدة”.

إنّ الشعب السوري لم يقدّم التضحيات طوال أكثر من عقد ليستبدل نظامًا بعثيًا عنصريًا بسلطة دينية تكفيرية. فسوريا الحرة، الديمقراطية، التعددية، لن تُبنى على الإنكار، بل على الاعتراف المتبادل، والمواطنة الحقة، واللامركزية العادلة التي تضمن لكل مكوّن حقه وكرامته ومشاركته في صياغة مستقبل البلاد.

 

التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية

واشنطن – 6 تشرين الأول / أكتوبر 2025م

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…