سوريا… سياسة الأظافر الناعمة

حسين موسى

منذ وصول السلطة الجديدة إلى الحكم في سوريا، كان الشعب متردداً في إصدار حكمه على هذا النظام. فالأحكام تراوحت بين الغموض والوضوح، وبين الأبيض والرمادي. أي أن الحكم الجديد حاول في بداياته ممارسة سياسة تُرضي الشعب من خلال التصريحات المنمقة التي كان يطلقها بين الحين والآخر، مؤكدًا أن الشعب عانى كثيراً في ظل النظام السابق، وأن الوقت قد حان ليأخذ كل مواطنٍ حقوقه في هذا الوطن.

غير أن الأفعال سرعان ما عكست الأقوال؛ فالتناقض بين الخطاب والممارسة كان واضحاً، ولا سيما تجاه الشعب الكوردي. فقد صرّح أكثر من مرة بأن الكورد مكوّن أصيل من مكونات سوريا، لكن الواقع السياسي والإداري جاء مغايراً تماماً لذلك.

فعلى سبيل المثال، في تشكيل الوزارات لم يكن للكورد مشاركة حقيقية تُعبّر عن وزنهم ودورهم. وقد يُقال إن وزير التربية كوردي، نعم هو كوردي من حيث الاسم، لكنه لا يحمل العقيدة القومية الكوردية التي تؤمن بحق الكورد في إدارة شؤونهم الإدارية، والتعليم بلغتهم الأم، وإحياء مناسباتهم وطقوسهم القومية. فكل من لا يحمل هذه العقيدة لا يمكن اعتباره ممثلاً حقيقياً للكورد.

وفي إنشاء البرلمان، الذي يُفترض أن يمثل صوت الشعب الحقيقي، تم اختيار أشخاصٍ لا يتقنون اللغة الكوردية ولا يتحدثون بها، ولم ينخرطوا يوماً في أي حراكٍ سياسي كوردي منذ تأسيس أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا عام 1957. ولذلك، فإنهم لا يمثلون الكورد بأي شكل من الأشكال.

لقد كانت سياسة النظام أشبه بسياسة “الأظافر الناعمة”؛ تقترب بلطف، وتُظهر الودّ في كل خطوة، لكنها في النهاية تخفي تحت ذلك الملمس الناعم أنياباً حادة. واليوم، غرزت تلك الأنياب في صدر كل كوردي عندما أنكرت أبسط حقوقه القومية، المتمثلة في الاعتراف بعيد نوروز كعيدٍ قومي للكورد، وهو رمز للحرية والكرامة والحياة الجديدة.

لقد بدّل النظام هذه المناسبة القومية الأصيلة بـ”عيد الأم” — كما كان يفعل النظام البائد — متجاهلاً تاريخاً طويلاً من النضال والتضحيات التي قدمها الكورد من أجل الاعتراف بهذا العيد. وكان الكورد يأملون أن تُعلن هذه المناسبة بفخر بين الأعياد الوطنية السورية، وأن يُتلى اسمها بكل اعتزاز على مسامع أبنائهم، لكن ما جرى اليوم فضح كل الخفايا التي تُخفيها سياسة هذا النظام، وكشف وجهه الحقيقي تجاه الكورد وحقوقهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…