المحامي حسن برو
خمسون عاماً قضاها أحمد جتو في مسيرة نضالية اتسمت بالجرأة في النقد، والصدق في الانتماء، والوفاء لرفاق الدرب ،كان كبيراً في محبته، عاطفياً في ارتباطه برفاقه وتجاربه، موضوعياً في تقييمه لمراحل النضال، حيث لم يتردد في كشف السلبيات أو الإشادة بالإيجابيات بروح الناقد المحايد والرفيق المخلص في آن معاً لايكتفي بذلك بل يرسم خيارات النضال بطريقة احترافية.
لقد رسخت سنوات النضال في وجدانه قناعات راسخة تحولت إلى خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها، فكان يقف بحزم حتى أمام أقرب المقربين إليه، منتفضاً في وجه المساومة أو التنازل، مؤمناً أن النضال لا يقبل أنصاف الحلول.
تعرفت إليه في دمشق عام 1989، لتتوطد علاقتنا أكثر مع استشهاد رفيقنا عبد الحميد زيباري، حين خرجنا معاً لنفاجئ أجهزة النظام في عفرين، معلقين صور الشهيد على كل شجرة زيتون وكل طريق، في فعل رمزي جسّد إصرارنا على التمسك بالذاكرة والمقاومة، كان أحمد حينها لا يهدأ، يتنقل بدراجته النارية بين الحشود والمواكب، يستقبل زغاريد النساء ودموع المعزين وتصفيق المذهولين، ليؤكد أن النضال فعل حياة بقدر ما هو فعل تضحية.
من دمشق إلى عفرين، ومن سري كانييه إلى كوباني، ظلّ أحمد جتو حاضراً في كل المنعطفات، رافقته في معابر الخوف، ورافقني في دروب المخاطر حين تنقلنا بين سوريا وتركيا مدركين مخاطر لاتخطر على بال، ولم تثنه سيطرة الفصائل الجهادية على الطريق بين كوباني وعفرين عن المشاركة في وداع الشهيد كمال حنان، لنقف معاً على ضريح بافي شيار مؤكدين أن اليقين والإيمان بالقضية أقوى من الموت ذاته.
آخر لقاء جمعنا كان في قامشلو، المدينة التي احتضنت آمالنا في الحرية والمساواة والعدالة تجددت أمالنا وشدد على مانسعى ساند قناعتنا وان اختلفنا في تفاصيل لا تذكر بالمقارنة مع الواقع، وبعد الرحيل باتجاه هناك (أوربا)وفي مؤتمر دائرتها في حزبه حزب الوحدة الديمقراطي، جسّد أحمد جتو صورة المناضل المعلّم، إذ لم يكن مجرد رفيقٍ مخضرم، بل مدرسة حزبية متكاملة، نقل خبرته للأجيال الشابة، وغرس فيهم قيم الوفاء، الصمود والتضحية.
إن سيرة أحمد جتو ليست مجرد حكاية فردية، بل مرآة لمرحلة كاملة من النضال السياسي والإنساني لشعب آمن بقضيته القومية في ظل نظام ينكر وجودك كشعب وانسان ،فقصص الأقوياء، كما يثبت أحمد جتو، لا تنتهي بل تزداد حضوراً وتأثيراً مع كل محطة ولقاء.