حوران حم
في لحظة سياسية مشحونة بالتحولات، يطل صوت من داخل الكونغرس الأميركي ليعيد تسليط الضوء على العلاقة بين واشنطن والكورد. النائب الأميركي دارين لاهود، وفي زيارة لمكتب شبكة رووداو الكردية في واشنطن، لم يكتفِ بالإشادة، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال: “لا يمكنك أن تطلب شريكاً أقوى لأميركا من الكورد”. جملة تختصر عقودًا من تاريخ العلاقة المتشابكة بين الطرفين، لكنها تفتح أيضًا باب الأسئلة: هل نحن أمام اعتراف أميركي ضمني بتحول الكورد إلى حليف استراتيجي، أم أنها مجرد كلمات مجاملة في زمن التوازنات المتحركة؟
عندما ننظر إلى تاريخ العلاقة، نجد أن أميركا لم تكن يومًا بعيدة عن الكورد، لكنها لم تكن قريبة إلى درجة التضحية بمصالحها الكبرى. في السبعينيات كان الكورد ورقة في لعبة الحرب الباردة. في التسعينيات أصبحوا ركيزة لمشروع “الملاذ الآمن” بعد مأساة الأنفال وحلبجة. وفي العقد الأخير، تحوّلوا إلى رأس حربة في مواجهة تنظيم داعش، حيث قدّموا أنفسهم كحليف منضبط، قادر على القتال، ومؤمن بشراكة طويلة المدى.
واشنطن لا تنسى أن البيشمركة كانت القوة الوحيدة في العراق التي لم تتفكك ولم تنقلب على حلفائها. هذه النقطة بالذات هي التي جعلت بعض الساسة الأميركيين يصفون الكورد بـ”أصدق الحلفاء وأكثرهم صدقًا في المنطقة”.
لكن، وهنا تكمن المعضلة، الطموح الكردي يذهب أبعد من مجرد كونهم “قوة محلية فاعلة”. في تصريح لاهود تلميح واضح إلى “السيادة والاستقلال”، وهي كلمات يعرف السياسيون الأميركيون ثقلها. غير أن واشنطن، رغم إدراكها لحق الكورد في تقرير مصيرهم، تظل أسيرة شبكة معقدة من الحسابات:
علاقاتها مع بغداد التي تُصرّ على وحدة العراق.
حساسيتها مع تركيا التي ترى في أي مكسب كردي خطرًا وجوديًا.
حرصها على إبقاء التوازن مع إيران في جغرافيا متشابكة.
هذا يعني أن واشنطن ستظل تفضل إبقاء الدعم في إطار “الفدرالية والحقوق الدستورية”، بدل أن تقفز إلى اعتراف رسمي بالاستقلال.
الوقائع تقول إن الولايات المتحدة، في زمن الانسحابات وتراجع النفوذ، تبحث عن شركاء محليين موثوقين. ووسط بحر من التحالفات المتقلبة، يبقى الكورد أكثر طرف أثبت وفاءه. هذا ما يجعل فكرة التحالف الاستراتيجي ليست خيالًا سياسيًا، بل خيارًا قد يفرض نفسه مع تزايد ضعف بغداد، وتعمق عزلة أنقرة، واستمرار الانكفاء الإيراني في سوريا والعراق.
لكن حتى ذلك الوقت، ستظل العلاقة أميركية – كردية قائمة على معادلة “الحاجة المتبادلة”:
الكورد بحاجة إلى المظلة السياسية والعسكرية الأميركية كي يضمنوا حقوقهم ويحموا مكتسباتهم.
وأميركا بحاجة إلى الكورد كقوة استقرار محلية، وكجدار صد أمام داعش وإيران، وكميزان حساس مع تركيا.
إن الكورد اليوم ليسوا مجرد “شريك ميداني”، بل تحوّلوا إلى “ورقة استراتيجية” بيد واشنطن. ومع ذلك، لن يترجم هذا التحول إلى اعتراف مباشر بدولة كردية في المدى المنظور، إلا إذا تغيّرت الخريطة الإقليمية جذريًا. وحتى يحين ذلك، سيبقى الكورد بالنسبة لأميركا أقوى حليف لم تُعلن عنه كحليف رسمي، وشريكًا لا غنى عنه في لعبة التوازنات الشرق أوسطية.