أيلول.. ملحمة الكورد الكبرى

حوران حم 
في صباح أيلول، لم يكن الصوت الذي دوّى في جبال كوردستان مجرد رصاصة، بل كان إعلان ولادة جديدة للأمة الكردية. من رحم المعاناة الطويلة، ومن بين القرى المحروقة والجبال الشامخة، خرجت شرارة الثورة لتقول للعالم: هنا شعب لا يرضى بالانكسار. قادها رجل لم يعرف الراحة يومًا، رجل حمل على كتفيه حلم أمة بأكملها.. إنه الملا مصطفى بارزاني، الأب الذي علّم أبناءه أن الكرامة لا تُشترى وأن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع.
لم تكن الثورة سلاحًا فقط، بل كانت هوية تولد من جديد. كل أغنية صدحت في الجبال كانت ترسخ معنى الوطن، وكل دمعة أم على شهيد كانت تزيد الثورة قوة. أيلول حوّل الكردي من فردٍ يبحث عن لقمة العيش، إلى إنسانٍ يحمل قضية، إلى مقاتل يعرف أن الموت في سبيل الكرامة حياة أبدية. لقد جعلت الثورة من الخيمة مدرسة، ومن الكهف معبدًا للحرية، ومن البيشمركة أيقونة خالدة في ذاكرة الأمة.
الملا مصطفى لم يكن زعيمًا عاديًا، كان الأب الذي يمشي بين أبنائه في الجبال، يشاركهم لقمة الخبز وجرعة الماء. لم يكن يعرف الحواجز بينه وبين البيشمركة؛ كان يجلس بينهم، يستمع إلى همومهم، ويقودهم بنفسه في أصعب المعارك. جسده كان في الجبال، لكن روحه كانت تسكن في قلوب الملايين. كان صوته يزرع الطمأنينة في النفوس، وكان حضوره يكسر الخوف ويزرع الشجاعة. في كل خطوة له، كان يكتب سطرًا جديدًا في ملحمة الكرد الكبرى.
رحلت الأيام، لكن أيلول لم يرحل. بقيت الثورة في الأغاني، في الحكايات، في صور البيشمركة وهم يصعدون الجبال بشجاعة لا تعرف النهاية. بقيت في قلوب الأمهات اللواتي علّمن أبناءهن أن طريق الملا مصطفى هو طريق الكرامة. لقد غرس الأب الروحي في وجدان شعبه قناعة راسخة: أن أمةً تحيا بالحرية، لا يمكن أن تموت. لذلك لم تنطفئ شعلة أيلول، بل بقيت تنير درب الأجيال، شاهدةً على أن الكرد أمةٌ عصيّة على الفناء، وأن صوت الملا مصطفى ما زال يصدح في الجبال: “نحن أبناء الحرية، ولن نركع.”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…