دمج أم إعادة إنتاج للأزمة؟ قراءة في حوارات قسد – دمشق والخيارات المطروحة

خوشناف سليمان

لم يكن ما جرى في الأيام الأخيرة من محادثات بين وفد قوات سوريا الديمقراطية وفريق حكومة أحمد شرع مجرد لقاء بروتوكولي. بل بدا أقرب إلى اختبار جدية الطرفين في الانتقال من مرحلة الرسائل الإعلامية إلى مرحلة التفاصيل التقنية. فالنقاشات التي تواصلت حتى البارحة كشفت عن عمق التباين.. دمشق تسعى إلى احتواء التجربة الكردية ضمن إطار الدولة المركزي. فيما تتمسك قسد وممثلو الإدارة الذاتية باعتراف دستوري واضح يضمن صلاحيات وأمنا ذاتيا. وبين المطلبين تترصد القوى الخارجية — من واشنطن إلى موسكو — تطورات الملف باعتباره ورقة في لعبة النفوذ الإقليمي.
المحادثات الأخيرة لم تصل إلى اتفاق مكتوب. لكنها أنجزت ثلاث نقاط عملية..
– توافق مبدئي على تشكيل لجان تقنية مشتركة (أمنية. اقتصادية. قانونية).
– تفاهم اولي حول تجربة نموذج (الشرطة المحلية) كجسر بين المؤسستين الأمنيتين.
إشارة خجولة الى  آلية تقاسم العوائد النفطية عبر صندوق مشترك يخضع لرقابة مزدوجة.
مع ذلك ظلت الملفات الحساسة — الأسلحة الثقيلة. مستقبل القوات الأجنبية. الضمانات الدستورية—معلقة دون حسم.
︎ السيناريو الواقعي المرجح في المدى المنظور هو إدارة انتقالية بطيئة تقوم على دمج رمزي لعناصر من قسد في أجهزة الدولة. مع بقاء الهياكل المزدوجة قائمة. الشرطة المحلية ستظهر كواجهة. لكن القيادة ستظل مزدوجة. الموارد النفطية قد تدار عبر اتفاق مؤقت. مع استمرار المراقبة الدولية. هذا السيناريو يخفف التوتر لكنه لا يعالج أصل الأزمة.
︎ السيناريو المتفائل يتطلب هذا مسارًا سياسيًا شجاعًا.. مرسوم أو نص قانوني يعترف باللامركزية. دمج كامل للوحدات. وضمان تمثيل سياسي. ترافقه حزمة مساعدات دولية وانسحاب منظم لبعض القوات الأجنبية. لكن فرص نجاحه مرهونة بتنازلات غير مألوفة من دمشق. وصمود التزامات أميركية – أوروبية طويلة الأمد.
︎ السيناريو السلبي في حال بقيت الاتفاقات شكلية فإن احتمالات عودة العنف مرتفعة. غياب آلية للأسلحة الثقيلة أو للصندوق النفطي المشترك سيدفع الأطراف المحلية والإقليمية إلى التصعيد، بما يفتح الباب أمام فوضى أمنية أو حتى عودة داعش. هنا تتحول المفاوضات إلى مجرد ستار لإدارة الانقسام بدل حله.

الملفات الحساسة..

– الأسلحة الثقيلة:  مصيرها هو معيار صدقية الاتفاق.
–  عائدات النفط: الصندوق المشترك ضرورة لا خيارًا.
–  الضمانات الدولية : غيابها يعني انهيار سريع لأي تفاهم.
لذلك على قسد أن تتمسك بالنصوص المكتوبة لا الوعود الشفوية. وعلى فريق الشرع تحويل أي تفاهم سياسي إلى مرسوم نافذ يوضح الصلاحيات المالية والإدارية. والأهم. اتفاق الطرفين على لجنة تحكيم دولية للفصل في الخلافات الطارئة.
بهذا. يمكن القول إن ما يجري اليوم هو محاولة لرسم ( خريطة طريق ) لم تكتمل معالمها بعد. المؤشرات القادمة — من إعلان مرسوم إلى نشر قوائم الوحدات المشتركة أو بدء التحويلات المالية — ستكون البوصلة التي تحدد ما إذا كان الحديث عن دمج مجرد غطاء إعلامي. أم بداية تحول سياسي حقيقي في سوريا.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…