وطن واحد، هوية متعددة …!

اكرم حسين 

في خضم التحولات العميقة التي تمر بها المنطقة، تبقى سوريا واحدة من أكثر الدول تعقيداً وتشابكاً، ليس فقط لما شهدته من دمار ومعاناة وحروب ، بل أيضاً لما تمثله من عمق استراتيجي وسياسي في قلب المشرق العربي ،  ومن هنا، فإن استقرار سوريا لا يُعدّ شأناً سورياً داخلياً  فحسب، بل هو مصلحة عربية وإقليمية ، ولكل من ينشد الاستقرار في هذه المنطقة المتأزمة.

لكن هذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقق على أنقاض الماضي، ولا بترميم نظام الاسدين حيث  أثبتت السنوات المديدة  أنه لم يكن قابلاً للإصلاح. بل عبر بناء نظام جديد يقوم على التشاركية السياسية الحقيقية بين جميع المكونات الهوياتية السورية — عرباً وكرداً وسرياناً وتركماناً وغيرهم ، مسلمين ومسيحيين، سنة وعلويين ودروزاً وإسماعيليين وايزيدين  …. اي سوريا التي تتسع للجميع، ولا يُقصى فيها أحد.

إن سوريا الجديدة التي نؤيدها وننشدها ،  دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تقوم على فصل السلطات، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وتكافؤ الفرص، وحقوق الإنسان. دولة يكون فيها التنوع الثقافي ، مصدراً للغنى الوطني لا للانقسام، وتُعزّز فيها المواطنة المتساوية، بحيث لا يشعر أي مواطن أنه غريب في وطنه بسبب لغته أو معتقده أو انتمائه القومي أو الديني.

ولعل أحد أهم الدروس المستفادة من العقود الماضية، هو أن الاستبداد لا يصنع الاستقرار، بل يولّد الانفجار. وأن الإقصاء لا يصنع الوحدة، بل يفتح الأبواب أمام كل أشكال التدخل الخارجي، مهما اختلفت عناوينه وشعاراته.

لبناء سوريا الجديدة، لا بد من حوار وطني شامل وشفاف ، شجاع وصادق، يُؤسس لعقد اجتماعي جديد، ويُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة الحقوق والواجبات المتساوية، ويضع أسساً لدولة محايدة تجاه الانتماءات والهويات، لا أداة بيد فئة أو طائفة أو حزب.

كما لا بد من انتقال سياسي حقيقي، يستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 2254، وبياني العقبة والرياض ، وباريس ، ويأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، ويضمن مشاركة فعلية لجميع القوى الوطنية الديمقراطية، دون وصاية أو استثناء.

إن سوريا التي نؤيدها هي سوريا الكرامة والحرية، سوريا العدالة والشراكة، سوريا التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، وتتعدد فيها الآراء دون خوف، وتُبنى مؤسساتها على الكفاءة لا على الولاء.

فهل هذه  أمنيات  بعيدة المنال ، ام أنها  ضرورة تاريخية، إن أردنا فعلاً أن تغلق سوريا  صفحة الحرب، وتفتح صفحة السلام الحقيقي والتنمية والازدهار  …؟

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…