ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف الأحزاب والفصائل الكوردية لضمان حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم، من خلال تقديم رؤى وتحليلات متعددة الأبعاد. يسعى “ولاتي مه” إلى توفير فهم أعمق لوضع الكورد في سوريا وآفاقهم المستقبلية وتكوين رؤية مشتركة حول مجمل القضايا التي ترتبط بالقضية الكوردية في سوريا.
القسم السابع: تضم مشاركات كل من السادة:
– ادريس عمر: كاتب .
– جمال مرعي: كاتب .
– جميل ابراهيم: كاتب .
– خورشيد شوزي (2\3): رئيس تحرير جريدة القلم الجديد (Pênûsa nû).
=============
ادريس عمر:
(( يجب على الأطراف الدولية تحمل مسؤولياتها تجاه الشعوب المظلومة وحماية الأقليات خاصة في البلدان التي تحكم فيها الأكثرية))
ماهي الأولويات التي يجب أن تركز عليها القوى الكوردية لضمان حقوق الكور في سوريا في ظل التحولات السياسية الإقليمية والدولية الراهنة؟
برأيي لضمان حقوق الكورد في سوريا في المرحلة القادمة، يجب التركيز على أولويات استراتيجية، سياسية ودبلوماسية لضمان تحقيق مطالبهم في ظل التحديات الإقليمية والدولية. فيما يلي أهم الأولويات التي يجب أن تعمل عليها:
توحيد الصف الكوردي: يجب على جميع الأحزاب السياسية الكوردية تجاوز الخلافات الداخلية وتشكيل موقف موحد ورؤية سياسية واضحة تُعبر عن مطالب الكورد في سوريا.
تأسيس هيئة تمثل جميع القوى الكوردية للتحدث بصوت واحد أمام الأطراف المحلية والدولية.
صياغة رؤية سياسية تُحدد بوضوح مطالب الكورد مثل الفيدرالية أو اللامركزية السياسية، وضمان حقوقهم كقومية ثانية في الدستور.
التأكيد على أن المطالب الكوردية لا تهدف إلى تقسيم سوريا، بل تسعى إلى بناء دولة تعددية ديمقراطية تعترف بحقوق جميع المكونات.
وأنني متفائل بمستقبل الكورد في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، ولاشك أن التغييرات الجيوسياسية في المنطقة قد تفتح أبواباً لفرص جديدة أمام الكورد، خاصة مع تراجع بعض التقليدية وصعود قوى أخرى.
ولكن رغم هذا التفاؤل، فإن المسألة الكوردية لا تزال مرتبطة بعدة عوامل معقدة، منها التوازنات الإقليمية والمواقف الدولية، خاصة أن القوى الكبرى غالباً ما تتعامل مع القضية الكوردية وفقاً لمصالحها الاستراتيجية وليس بناءً على مبادئ العدالة أو الحقوق القومية.
ماهو نظام الحكم الأمثل الذي يضمن حقوق الكورد وبقية مكونات الشعب السوري؟
نظام الحكم الذي يمكن أن يضمن حقوق الكورد في سوريا المستقبل يتطلب أن يكون قائما على العدالة والمساواة والاعتراف بالتنوع القومي والثقافي. وأنا اتطلع إلى نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي كإطار مناسب لتحقيق هذا الهدف، حيث يمكن لكل مكون من مكونات الشعب السوري، بما في ذلك الكورد، أن يحكم نفسه بنفسه ضمن إلإطار دولة موحدة.
والفيدرالية من الأنظمة الأكثر نجاحاً في العالم، وبإعتباري أعيش في دولة فيدرالية كالمانيا أجد هذا الشكل من النظام الديمقراطي الاتحادي هو الشكل الأنسب للحكم في سوريا، لان سوريا تضم مكونات قومية ودينية متعددة (عرب، كورد، آشوريون، دروز، علويون، سنة، شيعة، مسيحيون، وغيرهم.) والفيدرالية قد توفر نظاماً يضمن حقوق هذه المكونات ويحفظ تنوعها.
لأننا جربنا النظام المركزي ورأينا بأم أعيينا الكوراث التي حصلت تحت حكمه للبلاد والعباد، أما الفيدرالية فتحد من المركزية وتعطي صلاحيات واسعة للحكومات المحلية، مما قد يخفف من تسلط المركزية ويعزز الديمقراطية والتمثيل الحقيقي.
ماهي الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها لتحقيق وحدة الموقف الكوردي في سوريا؟
– تحقيق وحدة الموقف الكوردي في سوريا يتطلب خطوات عملية مدروسة تتجاوز الخلافات السياسية والحزبية، وتأخذ بعين الاعتبار التحديات الداخلية والخارجية.
– في البداية يجب تنظيم مؤتمر وطني يجمع جميع الأحزاب والقوى الكوردية، بالإضافة إلى الشخصيات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني، لمناقشة القضايا الخلافية وإيجاد أرضية مشتركة.
-تشكيل لجنة محايدة من شخصيات تحظى بقبول واسع للإشراف على الحوار وتقريب وجهات النظر.
– تحديد رؤية سياسية موحدة حول مستقبل الكورد في سوريا، تتضمن الحقوق الثقافية والإدارة والسياسية ضمن إطار الدولة السورية.-
– الالتزام بمبدأ عدم استخدام القوة ضد بعضهم البعض والاحتكام إلى الحوار لحل الخلافات.
– وضع ميثاق شرف يضمن تجنب الانقسامات التي تخدم الأطراف الخارجية.
كيف يمكن ضمان تمثيل عادل وفاعل للكورد في المؤتمر الوطني السوري؟
لضمان تمثيل عادل وفاعل للكورد في المؤتمر الوطني السوري المزمع عقده، يجب مراعاة عدة عوامل أساسية تتعلق بالتوازن السياسي والحقوق القومية والمشاركة الفعلية في عملية صنع القرار.
أولاً: يجب أن يكون للكورد تمثيل يتناسب مع حجمهم السكاني ودورهم السياسي والاجتماعي في سوريا، مع مراعاة تنوع الأطراف الكوردية.
ثانياً: لايمكن تحقيق تمثيل فاعل دون الاعتراف الدستوري بحقوق الكورد، بما في ذلك الهوية الثقافية واللغوية، وضمان حقوقهم السياسية والادارية.
ثالثاً: ينبغي تمثيل مختلف الأحزاب والحركات الكوردية لضمان تمثيل شامل ، بالإضافة إلى الشخصيات المستقلة.
رابعاً: يجب أن يكون للكورد مشاركة مباشرة في وضع المبادئ الدستورية المتعلقة باللامركزية والحقوق القومية، بحيث لا يكون تمثيلهم مجرد حضور رمزي.
خامساً: يجب أن يكون هناك ضمانات دولية وإقليمية لعدم تهميس المكون الكوردي، سواء من خلال الأمم المتحدة أو القوى الفاعلة في الملف السوري.
سادساً: يجب أن يكون للكورد مقاعد في اللجان الأساسية داخل المؤتمر، خاصة تلك المتعلقة بصياغة الرؤية السياسية والمفاوضات المستقبلية.
ماهو الدور الذي يجب أن يلعبه المثقفون والكتاب الكورد في توجيه الخطاب السياسي والمجتمعي خلال المرحلة المقبلة؟
أن دور المثقفين والكتاب في ظل التحولات والتحديات التي تحدث في البلاد هو دور محوري في توجيه الخطاب السياسي العقلاني المعتدل، أي ينبغي أن يساهموا في بلورة خطاب سياسي قائم على الواقعية، يأخذ بعين الاعتبار المصالح القومية ضمن الإطار الإقليمي والدولي، ويدعو إلى الحوار والتفاوض كأسلوب لحل المشكلات.
كما أن دور المثقف لايقتصر على التأييد أو المعارضة، بل يجب أن يكون صوتاً ناقداً وموضوعياً للأداء السياسي، ويطرح البدائل ويحفز النقاش حول القضايا الجوهرية مثل الديمقراطية، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية.
وينبغي للمثقفين العمل على ترسيخ الهوية الكوردية الجامعة التي تتجاوز الانقسامات الحزبية، وتعزز الشعور بالوحدة بين مختلف فئات المجتمع الكوردي.
كما يجب على المثقف العمل على نشر الوعي حول الحقوق، القوانين والتحديات التي تواجه المجتمع، بما يساهم في بناء رأي عام ناضج قادر على اتخاذ قرارات سياسية مستنيرة.
بإيجاز المثقف الكوردي مطالب بأن يكون بوصلة فكرية للمجتمع، بعيداً عن التبعية السياسية، وأن يساهم في بناء مستقبل أكثر استقراراً وعدالةً لشعبه.
كيف يمكن للكورد بناء تحالفات مستدامة مع القوى السياسية السورية الأخرى لضمان مستقبل مشترك في دولة ديمقراطية؟
لبناء تحالفات مستدامة بين المكونات الكورية والقوى السياسية السورية الأخرى يتطلب نهجاً استراتيجياً يقوم على المصالح المشتركة والالتزام بمبادئ الديمقراطية والعدالة. لتحقيق ذلك، يمكن اتباع الخطوات التالية:
– التركيز على المبادئ التي تجمع مختلف القوى، مثل التعددية، الديمقراطية، وحدة الدولة السورية، وحقوق الإنسان.
– التأكيد على أن الحقوق الكوردية ليست مطلباً انفصالياً بل جزء من عملية بناء دولة حديثة تحترم جميع مكوناتها.
– تجنب لغة الاستقطاب والخطابات الإقصائية من جميع الأطراف.
– الانخراط في حوارات مستمرة مع القوى الوطنية للتوصل إلى تفاهمات واقعية.
– تعزيز التفاهم مع القوى العربية، السريانية، الآشورية، والتركمانية لضمان أن المطالب الكوردية لا تفسر كتهديد لمصالح الآخرين.
– الابتعاد عن الاصطفافات الإقليمية التي قد تضعف الموقف الكوردي داخل سوريا.
– تبني خطاب سياسي مرن يتناسب مع المتغيرات السياسية في الداخل والخارج.
– تقديم تنازلات متبادلة لتحقيق شراكات طويلة الأمد، دون التفريط في الحقوق الأساسية للكورد.
ماهي القضايا الأساسية التي يجب طرحها على الأطراف الدولية لضمان دعم حقوق الكورد في سوريا؟
يجب على الأطراف الدولية تحمل مسؤولياتها تجاه الشعوب المظلومة وحماية الأقليات خاصة في البلدان التي تحكم فيها الأكثرية، والشعب الكوردي من الشعوب التي تعرضت للظلم والاضطهاد خلال عقود من الزمن وحرم من أبسط حقوقه الإنسانية التي شرعها له الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.
– لذا يجب التأكيد على حق الكورد في إدارة مناطقهم ضمن إطار سياسي ديمقراطي سواء من خلال الفيدرالية أو حكم ذاتي ضمن سوريا موحدة.
– الاعتراف باللغة والثقافة الكوردية وضمان عدم تهميشها قانونياً وتعليمياً.
– ضمان حماية المناطق الكوردية من أي اعتداءات عسكرية، خاصة من قبل تركيا أو المليشيات المدعومة منها.
– الضغط لعدم إقصاء القوى السياسية الكوردية من الحوارات المتعلقة بمستقبل سوريا.
لذلك هناك مراهنة على الأطراف الدولية لكي تلعب دورها وهي تمتلك أدوات متعددة لدعم حقوق الكورد، سواء عبر الضغط السياسي، أو المساعدات الأمنية والاقتصادية، أو دعم حقوق الإنسان.
تحقيق هذه الأهداف يتطلب التزاماً مستمراً من القوى الكبرى، خاصة الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وروسيا، لضمان عدم تكرار المآسي التي تعرض لها الكورد خلال القرن الماضي.
=============
جمال مرعي:
((إن النظام الفيدرالي ليس مجرد مطلب كردي، بل هو حاجة سورية وطنية، تحمي وحدة البلاد، وتؤسس لنظام ديمقراطي عادل))
الشعب السوري يشبه قوس قزح، فهو يضم طيفًا من كل لون، والكُرد يشكّلون ثاني أكبر قومية في البلاد.
على مدى أربعة عشر عامًا، طالب الشعب السوري بإسقاط النظام الدكتاتوري لعائلة الأسد، الذي قتل مئات الآلاف، ودمّر معظم المدن والأرياف، وأجبر أكثر من نصف السكان على الهجرة.
كما استخدم جميع الأسلحة الفتاكة ضد شعبه، وزجّ بمئات الآلاف في الزنازين، مثل سجن صيدنايا سيئ الصيت.
في هذا الظرف، انهار النظام فجأة بعد هزيمة آل الأسد، خاصة بعد سقوط قيادة حزب البعث، وضعف النفوذ الإيراني وأذرعه في المنطقة.
شهدت سوريا تحولات جذرية عميقة وسريعة ، حيث سيطرت مجموعة فصائل معارضة، على رأسها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، الذي أعلن نفسه رئيسًا لسوريا خلال المرحلة الانتقالية، وأصدر قرارات بحلّ الدستور، والجيش، ومجلس الشعب، والأجهزة الأمنية، وحزب البعث، في ما أسماه “مؤتمر النصر”، إلى جانب تشكيل مجلس تشريعي جديد.
في ظل هذه التحولات، تكثفت الزيارات العربية والدولية، خاصة من الدول الأوروبية، إلى دمشق، مطالِبةً بإقامة حكومة وطنية مدنية معتدلة، تشارك فيها جميع المكونات القومية والطائفية والدينية، مع تمثيل عادل للمرأة، التي تشكّل نصف المجتمع. كما تصاعدت المطالبات بتبني النظام الفيدرالي كحلٍّ مستدام لمستقبل سوريا، يضمن حقوق جميع المكونات، ويمنع عودة الدكتاتورية والتهميش.
الفيدرالية ليست تقسيمًا، بل هي الحل الأكثر واقعية لضمان الاستقرار، والعدالة، والتعددية في سوريا الجديدة. فقد أثبتت التجارب الدولية أن الفيدرالية تمنح الشعوب استقلالية واسعة في إدارة شؤونها، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وسويسرا، وكُردستان العراق. وبالنسبة لسوريا، فإن النظام الفيدرالي يمكن أن يكون الحل الأمثل لحماية الحقوق القومية والسياسية والثقافية للكُرد، والعرب، والسريان، وجميع المكونات الأخرى، بعيدًا عن المركزية الاستبدادية التي أدت إلى عقود من القمع والتمييز.
بعد سقوط النظام، ازداد الاهتمام بالقضية الكُردية، خاصة من قبل أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا والإتحاد الأوروبي، التي تدرك أن نجاح الحل الفيدرالي في سوريا سيكون عامل استقرار للمنطقة بأكملها.
لذلك، يجب على الكُرد استغلال هذه الفرصة التاريخية، و من الضروري أن يتوحد الكُرد في كُردستان سوريا، وأن يتكاتفوا سياسيًا، ويذهبوا إلى المفاوضات مع دمشق بوفد موحّد وموقف سياسي واحد، لضمان تحقيق جميع الحقوق المشروعة لهم في الدستور الجديد.
كما أن الرئيس مسعود البارزاني أكد دعمه للحوار بين الكُرد ودمشق، وخاصة من خلال لقاءاته مع السيد مظلوم عبدي، واللقاءات بين المجلس الوطني الكردي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تمت برعايته، بهدف الوصول إلى رؤية سياسية موحدة بين جميع الأطراف، تضمن بناء دولة ديمقراطية فيدرالية لا مركزية، تحمي حقوق جميع القوميات والطوائف والأديان والمكونات السورية.
إن النظام الفيدرالي ليس مجرد مطلب كردي، بل هو حاجة سورية وطنية، تحمي وحدة البلاد، وتؤسس لنظام ديمقراطي عادل، يضمن حقوق الجميع، ويمنع عودة الاستبداد، ويحقق التوازن بين الحكم الذاتي والسلطة المركزية.
في الختام، نتمنى أن تجف منابع الإرهاب، وأن يعمّ السلام في سوريا الجديدة، لأننا نحلم بوطن يحترم إنسانيتنا، ويقبل التعددية، ولا يزجّ بأحد في السجون بسبب آرائه أو مواقفه الفكرية.
الفيدرالية هي الحل الأمثل لمستقبل سوريا العادل والمتعدد.
=============
المحامي والكاتب جميل ابراهيم:
((من الصعوبة بمكان حل القضية الكوردية في سوريا حلاً عادلاً وجذرياً في ظل هكذا حكومات، تقودها مجموعات عسكرية ذات خلفية إرهابية…))
الأخوة الأعزاء في موقع “ولاتي مه”
بكل المودة والتقدير تلقيت ” ملفكم”، وبناء على رغبتكم بالإدلاء بمشاركتي فيه، أتقدم بهذه الإجابة، أو المشاركة، عسى أن تكون ملبية لما طرحتموه :
في أواخر عام 1999، قرأت تقريراً صحفياً في جريدة الحياة، يتحدث عن انعقاد مؤتمر موسع في إحدى المدن الأمريكية، أظن أنها كانت مدينة بوسطن، إن لم تخنني الذاكرة، ضم عدداً كبيراً من المفكرين والكتاب والصحفيين والباحثين الاستراتيجيين من مختلف مراكز ومعاهد الأبحاث الإستراتيجية، إضافة إلى رؤساء وكبار مسؤولي كافة أجهزة الأمن الأمريكية، وكبار مسؤولي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وقد لخص التقرير ما نجم عن المؤتمر بخصوص الشرق الأوسط على الشكل التالي (بما معناه):
(( يُتوقع أن تمر منطقة الشرق الأوسط، في ال15-20 سنة القادمة في مرحلة تجتاح فيها الكثير من بلدانها فوضى عارمة وأوقات عصيبة من النزاعات والحروب البينية والداخلية المدمرة والعابرة للحدود، مرحلة من الإقتتال الدامي يتسبب في إراقة الكثير من الدماء في العديد من الدول، وتشهد ساحتها نشوء العديد من التنظيمات الراديكالية المتطرفة، والجماعات الإرهابية، على أسس دينية، طائفية ومذهبية مختلفة، فيما ينتظر أن يؤدي كل ذلك إلى إختفاء حدود قائمة ورسم حدود جديدة …)) .
من المؤكد أن هذه لم تكن مجرد توقعات أو تكهنات، فالحاضرون لم يكونوا سحرة أو منجمين يقرؤون المستقبل في الأبراج والنجوم، كما يُقال، وإنما كانوا، كما يبدو، راسمي المستقبل، أو المخططين له، فبعد أقل من أربع سنوات، دخل الجيش الأمريكي العراق، وبالتعاون والتنسيق مع الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وقوات بيشمركتهما، وكذلك قوى المعارضة العراقية الأخرى، أسقط نظام صدام حسين المقبور، وشهد العراق، بعد ذلك، أوضاعاً متفجرة ونزاعات وحوادث دموية، استمرت لعدة سنوات، تلا ذلك اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي ومآلاتها المعروفة، في تونس وليبيا وسوريا وغيرها من البلدان الشرق أوسطية …
بعد أقل من عقدين من الزمن، وفيما لم تستقر الأوضاع بشكل كامل لا في العراق، ولا في البلدان الأخرى، مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، حتى اندلعت، واستمرت حتى الآن، الحرب الروسية- الأوكرانية الضروس والعبثية كذلك، وبعد أقل من سنتين انطلقت حرب اسرائيل ضد “حماس” في غزة، مترافقة مع جبهتي “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، إضافة إلى غارات جوية عديدة على سورية وأحياناً على الفصائل العراقية الموالية لإيران، ناهيك عن استهداف المنشآت النووية الإيرانية وقدراتها العسكرية الهجومية والدفاعية، وأخيراً إسقاط نظام الأسد في دمشق، وسبق ذلك إشغال الصين بقضية تايوان …
ماذا كانت النتيجة؟:
-أُلهيت روسيا بحربها مع أوكرانيا، وأُنهكت عسكرياً واقتصادياً، وأضحت معزولة في المجتمع الدولي، وأخيراً أُخرجت من سوريا، بعد عقود من نفوذها وهيمنتها هناك، وبالتالي باتت عاجزة أو ضعيفة في مجال منافستها ومواجهتها للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما فيما يخص الشرق الأوسط .
-تم تقليص دور الصين العسكري وباتت حذرة في مجال نشاطها الإقتصادي .
-بعد أن كانت إيران تتبجح بنفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وهيمنتها على أربع عواصم عربية، فقدت قاعدتها الرئيسية لذلك النفوذ، وهي سوريا، كما دُمرت أوشُلت إلى حد كبير أذرعها الأخرى(حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحوثي في اليمن، وكذلك فصائلها المسلحة في العراق)، بينما تخلخل وضعها الداخلي، وأصيب إقتصادها بالتراجع والوهن، ووصل إلى حافة الإنهيار، أي أنها أصبحت في حالة من بالكاد ينازع من أجل البقاء .
-بالرغم من أن دول الخليج كانت موالية بالكامل لأمريكا وأوربا، فقد أبرم عدد منها اتفاقات سلام مع إسرائيل، وأنشأت معها علاقات طبيعية كاملة .
-بالرغم من محاولات إيران المتكررة، عبر فصائلها في العراق، لإخراج القوات الأمريكية من العراق، وإغلاق قواعدها هناك، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، بل إن تلك الفصائل تخلت مؤخراً عن مطالباتها تلك كلياً .
– أما بالنسبة لتركيا فقد شفعت لها عضويتها في حلف الناتو، ومع ذلك فقد فقدت الكثير من مكانتها السياسية، وخاصة لدى الدول الأوربية، بسبب سياساتها الخارجية المتذبذبة وتدخلاتها في النزاعات الإقليمية، وبسبب سياساتها الداخلية البعيدة عن الديمقراطية والمنتهكة لحقوق الإنسان، أما إقتصادها فهو يعاني من الضعف وانهيار قيمة نقدها، والإرتفاع المستمر للتضخم، وسوء الأحوال المعيشية للسكان عموماً .
هنا يمكننا القول أن ساحة الشرق الأوسط، على الأقل، أصبحت مفتوحة لأمريكا ودول حلف الناتو، وإسرائيل كذلك، ولم تبق فيها أية قوة معارضة أو مناهضة بشكل جدي أو مؤثر، من شأنها الوقوف في وجه مخططاتها وسياساتها في هذه المنطقة، أو عرقلتها .
يُستخلص من هذه المقدمة، أن تغيرات وتبدلات كثيرة وعميقة قد حصلت في العالم وفي منطقتنا، ولاسيما في الدول المقتسمة لكوردستان، وجرياً على ما قاله العالم البريطاني الشهير (جون كينز) بأن”الحقائق الجديدة تقتضي تغيير الأفكار القديمة”، فإنه يتوجب علينا، نحن الكورد، تغيير طريقة تفكيرنا وأساليب عملنا وتعاملنا القديمة، بما يتلاءم مع التحولات الطارئة على أرض الواقع، والتعامل الخلاق مع المعطيات الجديدة، والإستفادة من المستجدات، بل استثمارالفرص المتاحة والحيلولة دون ضياعها، كل ذلك للوصول بشعبنا إلى بر الأمان، وتحقيق أمنياته في الحصول على حقوقه الكاملة ونيل حريته .
فمما لاشك فيه، وكما هو واضح للعيان، أن قضية الشعب الكوردي، وتخلصه من الظلم والاضطهاد والحرمان من الحقوق القومية المشروعة، باتت محل إهتمام المجتمع الدولي عموماً، والدول الغربية خصوصاً، وذلك بعد الهجرة المليونية للشعب الكوردي في جنوبي كوردستان في ربيع عام 1991، حيث تم إنشاء وفرض منطقة آمنة هناك، من قبل دول حلف الناتو، وبمبادرة من فرنسا وبريطانيا، وازداد هذا الاهتمام والتعاطف، بل والتأييد كذلك، بعد تدخل الجيش الأمريكي وإسقاط نظام صدام المقبور، حيث حصل تعاون قوي بينه وبين قوات البيشمركة إرتقى إلى حد الشراكة، وحيث جرى استقبال القوات الأمريكية من قبل أبناء الشعب الكوردي بباقات الزهور وبحفاوة بالغة، مما ترك تأثيراً كبيراً على الرأي العام في الدول الغربية عموماً، والأمريكي بشكل خاص، بل وعلى أبرز سياسييه وكتابه وصحفييه، فعلى سبيل المثال عندما دُفن الصحفي الاسترالي باول موران الذي استشهد في 22.03.2003، في عمل إرهابي لأنصار الإسلام في مدينة خورمال، وذلك عندما كان يلتقط الصور الأخيرة لهجوم بعض البيشمركة على قاعدة (للجمعية الإسلامية الكردستانية)، وحينها توقفت بجانبه سيارة مفخخة وانفجرت، فاستشهد على الفور مخلفاً زوجته ايفانا وابنتهما المولودة قبل شهر واحد فقط، قالت زوجته عند دفنه:” سيستكين قلبي، وسيستكين باول، عندما الكورد يملكون دولة مستقلة حرة” …
كما أن عدداً من أبرز الكتاب والصحفيين كتبوا مقالات عديدة أشادوا فيها بالموقف الرسمي والشعبي في كوردستان، مقارنين ذلك بالموقف التركي الذي رفض مرور الجيش الأمريكي عبر تركيا إلى العراق، وكذلك الموقف الشعبي لعرب العراق، وموقف طلائعه السياسية، أورد هنا مقتطفات مما كتبه هؤلاء :
-“نرى، ومنذ عدة سنوات، أن كثيراً من الصحافيين والمفكرين الأمريكيين العاملين في مراكز الدراسات الاستراتيجية يعتبرون دول الشرق الأوسط دولاً زائفة، فرضت حدودها فرضاً تحكمياً في أعقاب مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، وأولئك الديبلوماسيون، على حد قول هؤلاء الصحافيين والمفكرين الامريكيين، ما هم إلا مجموعة من عديمي المعرفة والجاهلين، لذلك فقد ظل العالم كله يعاني قرابة قرن من الزمان من جراء سخف وأطماع هؤلاء الديبلوماسيين الأوربيين، الذين أرادوا للعالم كله أن يتكيف وسياسات وزارات خارجيتهم، ويقبل بتمسكهم بمصالح بلدانهم على حساب غيرهم من الشعوب …. ويقولون أيضاً بأنه من غير المعقول للأمريكيين، في هذه المرحلة، قبول مثل هذا الإرث ودوامه أكثر، وأنه يفترض أن في مقدور أمريكا حث وتشجيع الشعوب المغلوبة على أمرها واحداً تلو الآخر، والتي لم تتمكن من تأسيس دولة صالحة لها، وبمحض إرادتها، أن تعمل على تقرير مصيرها؛ فالشعوب كافة يجب أن تتعلم بالطريقة الأكثر مرارة …..” .
-“يجب أن نثمن دور الكرد الذين نالوا احترام العالم. إنهم شعب عانى طويلاً من تشرذم وتفرقة نتيجة تقسيم لئيم لحدوده، ويبدو أنهم يعيشون مأساة لا حل لها، فضلاً عن سياسة استراتيحية متغطرسة فرضت عليهم. وفي الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة قواعد لها في تركيا، ترفض الأخيرة مجرد فكرة إنشاء دولة كردية مستقلة. إن الجميع يصرون على أن يظل الكرد مشتتين وفقراء لا حول لهم.” .
-” وفي الوقت الذي خانتنا فيه تركيا، وقف الكرد بجانبنا مقاتلين ومساندين. وطيلة العقد الماضي الذي تميز بحكم ذاتي واقعي في شمال العراق، برهن الكرد على أن بمقدورهم إدارة دولة مدنية تحكم بالقانون. ويقول المتشائمون إن تأسيس دولة «كردستان الحرة» سيجعلها محاطة بالأعداء وتفتقر الى منفذ للبحر. ولكن عليهم أن يتذكروا بأن الكرد سيكون لهم حظ كبير من الثروة النفطية، والنفط من شأنه أن يشتري المنفذ، وأكثر من ذلك، فإن تغيير النظام في إيران ليس سوى مسألة وقت…” .
ومنذ ذلك الوقت تعالت وتزايدت أصوات وتصريحات الكثيرين من أعضاء الكونكرس الأمريكي الداعية إلى إنصاف الشعب الكوردي ودفع الظلم عنه وتمكينه من نيل حقوقه، وطالب العديد منهم بإنشاء دولة كوردية مستقلة، ووصل ببعضهم الأمر، في الآونة الأخيرة، إلى حد تهديد تركيا وفرض العقوبات القاسية عليها إن لم تكف عن شن هجماتها العسكرية على المناطق الحدودية مع إقليم كوردستان وكذلك مع غربي كوردستان، وطالب البعض منهم بطرد تركيا من حلف الأطلسي جراء سياساتها العدوانية تلك، كما سُمعت مثل تلك الأصوات من المسؤولين الكبار في العديد من الدول الأوربية …
لا أريد الخوض في سرد ما حصل من أحداث وتطورات منذ أن أصبح في جنوبي كوردستان إقليم فدرالي وحتى الآن، إقليم ذو برلمان وحكومة ورئاسة وقوة بيشمركة، ولاسيما كيفية تعامل الدول العظمى مع هذه المؤسسات وخاصة البيشمركة، وإنما أريد القول، إختصاراً، أن كافة الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، تولي إهتماماً بالغاً بالإقليم، وتقدم له الكثير من الدعم والإسناد، ونرى كيف أنهم يعاملون رئيس الإقليم ورئيس الحكومة معاملة رؤساء الدول، وقد امتد هذا التعامل إلى الدول المجاورة، لاسيما دول الخليج، وفي هذا المجال لابد أن نذكر أن الرئيس مسعود البارزاني يحظى لدى كل تلك الدول بمكانة مرموقة، وبالثقة والإحترام الكبيرين، ويرون فيه زعيماً حكيماً ذا دور كبير ومؤثر في الكثير من الساحات والميادين …
أردت مما ذكرته أعلاه القول أن قضية الشعب الكوردي يتم تناولها دولياً، غالباً ومنذ بضع سنوات على الأقل، على أنها قضية واحدة، وإن كانت تتعلق بشعب موزع على أربع دول، وبأن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد السلام والإستقرار دون حل قضية الشعب الكوردي بشكل عام وبشكل جذري، وهذا يعني دون شك تمتعه بدولته المستقلة .
إستناداً إلى كل ما ذُكر أعلاه من حقائق مستجدة، أرى لزاماً علينا ككورد في عموم أرجاء كوردستان، أن نتخلى عن أفكارنا وأساليب عملنا القديمة، وأن نجددها بما يتلاءم والمرحلة الراهنة، بما يتلاءم والحقائق المستجدة، وبما يمكننا من استثمار هذه المستجدات والفرص السانحة الآن، وأن لا ندعها تمر دون تحقيق أماني شعبنا، أن نلتزم وبقوة بتقديم المصالح العليا لشعبنا على المصالح الحزبية الضيقة، والمنافع الشخصية التافهة المدمرة، أن نتخلى عن المناكفات والصراعات الفئوية وعداواتها .
كل الجهات الصديقة والمؤيدة لنا تطالبنا بالتوحد وتقريب الصفوف، ونبذ الفرقة والتشرذم، ونحن أيضاً نقر بأن قوتنا في وحدتنا، ولكننا لم نتمكن حتى الآن من تقريب صفوفنا وتوحيد كلمتنا، لماذا؟؟، لاشك أن هناك أسباب عديدة معرقلة وكابحة تحول دون توصلنا إلى ذلك الهدف النبيل، ولكنني أرى أن أهم تلك الأسباب بل وعلى رأسها عدم وجود أو عدم إتفاقنا على إيجاد مرجعية عليا وقيادة عليا تشكل مظلة كبرى تأوينا وتوحد صفوفنا أو تقاربها، تجمع كلمتنا وتوجه عملنا وتوضح الإستراتيجية العامة لنضالنا، ترسم لنا جميعاً الطريق الصحيح والأمثل الذي ينبغي أن نسير فيه، تنسق المواقف السياسية لكل جزء من كوردستان …
كيف نجد هذه المرجعية وهذه القيادة؟؟، وبأية طريقة؟؟ .
أنا أرى أن من السهل علينا إيجادها، ذلك أنها موجودة وجاهزة، ولكي أختصر الموضوع، فإنني أرى أن الرئيس مسعود البارزاني هو الشخص الأكثر قابلية وكفاءة لتولي هذه المهمة، يتمتع بحنكة سياسية فائقة وخبرة كبيرة وطويلة، يحظى بمكانة عالية وعلاقات واسعة ومرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولديه معرفة جيدة وإطلاع واسع على سياسة ومواقف المجتمع الدولي من القضية الكوردية، وخاصة مواقف الدول العظمى ومراكز القرار الدولي، كما أن فريقه (رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان البارزاني، ورئيس حكومة الإقليم السيد مسرور البارزاني) أثبتا جدارة مميزة في العمل السياسي والدبلوماسي والإداري، و أظهرا باعاً طويلاً في العلاقات الدولية، وهما يحظيان بعلاقات جيدة وحميمية مع العديد من كبار المسؤولين في الدول المؤثرة في القرارات الدولية …
وحيث أن هذه المسألة، مسألة المرجعية والقيادة، مسألة ضرورية ضرورة قصوى، وملحة وعاجلة لا تحتمل التأخير والتأجيل، فإنني، ومن خلالكم، من خلال إعلامكم، أطلق ندائي ومناشدتي هذه، إلى كافة القوى والأحزاب السياسية الكوردية، في عموم أرجاء كوردستان، للمبادرة إلى تسمية السيد الرئيس مسعود البارزاني قائداً ومرجعاً عاماً لعموم الشعب الكوردي، وآمل أن يتقبل جنابه هذه المهمة، ويؤديها على أكمل وجه بروح المسؤولية التاريخية، كما عهدناه عبر مسيرته النضالية الطويلة والشاقة، لما فيه خير ومصلحة شعبنا …
أما عن الملفات التي طرحتموها وأسئلتها، فيمكنني الإجابة باختصار كما يلي:
– من الصعوبة بمكان حل القضية الكوردية في سوريا حلاً عادلاً وجذرياً في ظل هكذا حكومات، تقودها مجموعات عسكرية ذات خلفية إرهابية، خاصة وأنها غير مستقرة حتى الآن، والعالم كله ينتظر منها أفعالاً تدل على صدق أقوالها وصحة وعودها، ولازالت سيرورتها يكتنفها الغموض، أما لجهة القوى الكوردية فإنها، وبالرغم من جراحات الأمس وسوء التصرفات البينية، لابد لها أن تسرع، أولاً وأخيراً، في التوصل إلى رص صفوفها وتوحيد قواها العسكرية والسياسية، والإتفاق على وحدة كلمتها، والتمسك بالفدرالية، وعدم التخلي عن قواتها وأصدقائها …
– أنا شخصياً لا أبني أية آمال على النظام الحالي، وإن تبنى مفاهيم ديمقراطية في المستقبل، في ضمان الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، أو تلبية مطالبه القومية، ذلك أن المفاهيم القومية المتشددة والشوفينية السائدة في المجتمع العربي السوري، طيلة عقود من الزمن تقارب قرناً كاملاً، والحقد والكراهية لدى أوساط واسعة منه تجاه الشعب الكردي، يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك الضمان المنشود، وتلك الحقوق المطالب بها .
– بعد اجتماع الطرفين مع الرئيس مسعود البارزاني، فإن التنسيق والتفاهم بين الأحزاب الكوردية في غربي كوردستان الآن أفضل بكثير من السابق، وتتحسن شيئاَ فشيئاً، لكن يفترض أن تكون بوتيرة أسرع، ولكي تضمن هذه الأحزاب نجاح هذا التنسيق والتفاهم، عليها التوجه جميعاً إلى الرئيس مسعود البارزاني باستمرار، والإلتزام بتوجيهاته، وتنفيذ كل ما يطلبه منهم .
أما عن دور الجهات الدولية، فمن الواضح أن التحالف الدولي، وفي مقدمتهم أمريكا وفرنسا، يمارس قدراً كافياً من الضغط على الطرفين الكورديين الرئيسيين للتوصل إلى تفاهم واتفاق بينهما، وأعتقد أن ذلك يتم بالتعاون والتنسيق مع الرئيس البارزاني .
– لم يتضح بعد كيفية ونوعية تشكيل “المؤتمر الوطني السوري”، ولكن يُخشى أن من سيجلس في هذا المؤتمر المزعوم، لن يكون ممن يتقبل فكرة الإقرار بالحقوق القومية للشعب الكوردي، أو المكونات الأخرى السورية .
-لقد أهملت الحركة الكوردية، بكل تفاصيلها، المثقفين والكتاب الكرد، وهمشت دورهم، وأنا أقصد هنا المثقفين
والكتاب الحقيقيين، وليس المزيفين والإنتهازيين، الذين يمارسون دور “شاعر البلاط”، والكثير من قيادات الحركة يتخوفون
من إفساح المجال لكي يمارس المثقفون والكتاب دورهم في الحركة …
هذه هي رؤيتي والأفكار التي أردت المشاركة بها في ملفكم المطروح، آمل أن أكون قد قدمت فائدة لملفكم بهذه المشاركة، قد أكون مخطئاً في بعض الآراء والأفكار التي قدمتها في هذه المشاركة، حينئذ ألتمس المعذرة على ذلك .
تقبلوا تحياتي وتقديري الكبير لمبادرتكم القيمة هذه، وتمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح في عملكم .
المحامي والكاتب جميل ابراهيم
مدينة دورتموند- ألمانيا 05.02.2025 .
- ملاحظة خارج النص :
كنت أرغب في الكتابة باللغة الكوردية، ولكن ملفكم المُرسل إلي مكتوب باللغة العربية .
=============
خورشيد شوزي:
((إن استمرار النهج الإقصائي سيؤدي إلى تكرار أخطاء الماضي، مما قد يُفاقم الأزمات بدلاً من حلّها.))
2\3
بداية أريد التعليق على إقصاء الكرد من المشاركة في العملية السياسية المزمع تفعيلها:
لطالما كانت مسألة إشراك جميع المكونات الوطنية في الحكم مسألة جوهرية لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، إلا أن الواقع في كثير من الأحيان يعكس عكس ذلك، حيث يتم تهميش بعض الأطراف بحجج مختلفة، قد تكون غير منطقية أحياناً. ومن بين هذه الحالات، ما حدث مؤخراً حينما تسلّم فصيل عسكري السلطة، وأصبح قائده رئيساً للجمهورية، بينما لم تُوجَّه الدعوة إلى الكرد للمشاركة، بذريعة أن من يمثل الكرد هو فصيل عسكري. فهل هذه الحجة مقنعة أم أنها مجرد ذريعة لإقصاء طرف أساسي من المعادلة السياسية؟
إن تبرير عدم دعوة الكرد للمشاركة في اللجنة التحضيرية (غالبية اللجنة ذو توجه واحد) بحجة أن قسد فصيل عسكري يفتقد إلى المنطق، فلماذا يصبح الطابع العسكري عائقاً أمام دعوة الكرد وبعض المكونات السورية الأخرى؟ إن هذا التناقض يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية وراء هذا الإقصاء.
من الواضح أن السلطة الجديدة التي استلمت الحكم بدون أن تطلق طلقة واحدة تسير على خطى الأنظمة السابقة التي اتسمت بالإقصاء والتهميش، إذ أن النهج المتبع يعكس صورة مشابهة لأنظمة استبدادية سابقة مارست التمييز بين مكونات الشعب، مما أدى في النهاية إلى زعزعة الاستقرار وإثارة النزاعات الداخلية. إن التأسيس لمرحلة جديدة ينبغي أن يقوم على مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية، لا على إعادة إنتاج سياسات التهميش.
في ظل الظروف الحالية، من الضروري أن تعي السلطة الجديدة (سلطة الأمر الواقع) أن الإقصاء لن يؤدي إلاّ إلى تعميق الأزمات، وأن الحل الأمثل يكمن في فتح المجال أمام جميع القوى الوطنية للمشاركة الفاعلة. إن تجاهل مكوّن أساسي مثل الكرد لا يُضعف فقط شرعية السلطة الجديدة، بل قد يؤدي إلى تداعيات سياسية واجتماعية خطيرة.
إن استمرار النهج الإقصائي سيؤدي إلى تكرار أخطاء الماضي، مما قد يُفاقم الأزمات بدلاً من حلّها. لذا، فإن أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة ينبغي أن تعتمد على التعددية والشراكة الوطنية، بعيداً عن الذرائع الواهية التي تبرر التهميش والإقصاء.
لكن، ودرءاً للحجج الواهية، وقبل الدخول في التفاصيل، أرى من الواجب أن أبدي رأيي في تقييم توجهات الإدارة الذاتية الحالية في غربي كردستان، والخطوة الأولى هي توجيه الجهود السياسية إلى الهيئات المدنية، وليس العسكرية، وبالتالي الفصل بين الإدارتين السياسية والعسكرية.
ففي ظل التعقيدات السياسية والإقليمية، تبرز الحاجة الملحة لابتعاد الإدارة الذاتية عن الطابع العسكري المهيمن على خطابها، والتركيز على كونها كياناً سياسياً مستقلاً يسعى لتحقيق الاعتراف الدولي في إطار القوانين والأعراف الدولية.
إن إدارة غربي كردستان (شمال وشرق سوريا) تواجه سؤالاً مركزياً يتعلق بما إذا كانت القوة العسكرية هي التي تحدد مصير المنطقة أو إذا كانت الإدارة السياسية لها القدرة على التأثير في مفاوضات السلام والاستقرار الإقليمي. إن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تلعب دوراً أساسياً في حماية المنطقة وأمنها، ولكن ينبغي أن يكون الدور السياسي بعيداً عن التفرد العسكري، بحيث تكون الإدارة الذاتية هي القائد السياسي في أي مفاوضات دولية أو إقليمية.
تتمثل الخطوة الأولى في توجيه الجهود السياسية إلى الهيئات المدنية، وليس العسكرية، حيث يجب أن تكون المفاوضات مع دمشق أو مع الجهات الدولية الأخرى محكومة بممثلين سياسيين ذوي تأهيل دبلوماسي عالٍ، بعيداً عن الشخصيات العسكرية. يجب أن يتم التأكيد على أن قسد ليست الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بمستقبل المنطقة، بل إن ذلك يعود إلى الهيئات السياسية التي تمثل الإدارة الذاتية ككيان مدني، وفقاً للقوانين الدولية.
هنا، تبرز ضرورة الفصل بين الإدارة العسكرية والإدارة السياسية في غربي كردستان، بحيث يظل الجيش أداة للحماية وليس أداة للتحكم السياسي. ويجب أن يقتصر دور “قسد” على الدفاع عن المنطقة في إطار من احترام السلطة المدنية، وهو ما يعزز مصداقية الإدارة الذاتية ككيان سياسي مستقل. لأن إسناد مهمة التفاوض إلى جهات سياسية ودبلوماسية مؤهلة سيعزز من شرعية الإدارة الذاتية، ويسهم في أن تكون المفاوضات أكثر تنوعاً وشمولية. وبالتالي فإن هذا التوجه سيضمن الاعتراف الدولي بها ويؤسس لنموذج ديمقراطي قادر على الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية مصالح جميع مكوناتها.
خطوات تحقيق وحدة الموقف الكردي
تُعد وحدة الموقف الكردي في سوريا من القضايا المركزية التي ستساهم في تشكيل مستقبل للكرد في سوريا. في ظل الصراعات المستمرة والظروف المعقدة، فإن تحقيق هذه الوحدة يتطلب العديد من الخطوات العملية التي تؤسس لقاعدة سياسية وتنظيمية قوية بين الأحزاب الكردية والفصائل المختلفة في البلاد، وفي هذا السياق، هناك مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تساهم في بناء وحدة كردية حقيقية، بما في ذلك تعزيز التواصل بين القادة الكرد، الاستفادة من التنوع الثقافي والسياسي، فصل المسار العسكري عن السياسي.
من أهم الخطوات لتحقيق الوحدة الكردية في سوريا هو إزالة الخلافات الشخصية بين القيادات الكردية المختلفة. قد تكون هذه الخلافات قد تسببت في إضعاف وحدة الموقف الكردي في الماضي، وبالتالي من الضروري تشجيع التعاون المثمر بين القيادات المختلفة. يجب أن يعمل القادة الكرد على تأسيس بيئة تعاونية تشجع الحوار البناء وتزيل أي تصدعات تضر بالموقف الكردي.
ومن الضروري الاستفادة من التنوع الثقافي والسياسي بين الكرد في سوريا لتكوين حلول وسطية ترضي كافة الأطراف. على الرغم من تباين الآراء والمواقف بين الأحزاب الكردية المختلفة، فإن هذا التنوع يمكن أن يكون مصدراً للقوة إذا تم توجيهه بشكل صحيح. يجب أن تُبذل الجهود من أجل تطوير توافقات تأخذ بعين الاعتبار كافة مكونات المجتمع الكردي، مما يعزز الوحدة ويخلق منصة شاملة.
يجب التعامل مع الخلافات الأيديولوجية والسياسية بشكل واقعي، حيث يتم التركيز على المصلحة العليا للكرد. من المهم أن يدرك الجميع أن التنوع الأيديولوجي يجب أن يتم تحويله إلى نقطة قوة تساهم في إيجاد حلول فعّالة تتفق عليها جميع الأطراف. وبالتالي، يجب العمل على إبعاد الانقسامات الأيديولوجية وتوجيه الجهود نحو بناء توافق حول ملامح المشروع الكردي المستقبلي.
من المهم أن يشارك المجتمع الكردي في الحوار الوطني الكردي على جميع الأصعدة. ويمكن تعزيز هذه المشاركة من خلال المجالس المحلية والمنظمات المدنية والثقافية والناشطين السياسيين. من خلال إشراك جميع فئات المجتمع الكردي في النقاشات، يصبح أي اتفاق سياسي ذا شرعية أكبر، كما يساهم في تعزيز ثقة الشعب في العمليات السياسية الجارية.
ومن أجل تعزيز وحدة الموقف الكردي، يجب أن تُعقد اجتماعات دورية بين الفئات الكردية المختلفة. مثل هذه الاجتماعات ستكون فرصة للحوار حول القضايا المشتركة، مثل الحقوق الثقافية والسياسية، ولحل الخلافات التي قد تكون قد نشأت بين الفصائل المختلفة.
من المقترحات الهامة لتحقيق الوحدة الكردية في سوريا هو إنشاء هيئة تمثيلية مشتركة تضم جميع الأحزاب والهيئات الكردية التي ذكرناها. هذه الهيئة المشتركة (مجلس كردي موحد جديد) قادرة على التحدث باسم الشعب الكردي في سوريا، وتعمل على تنسيق السياسات والتوجهات السياسية والعسكرية بين جميع الفصائل الكردية. هذا المجلس سيكون أداة هامة في المفاوضات مع القوى السياسية السورية الأخرى، بالإضافة إلى دوره في المفاوضات الدولية.
في المناطق الكردية، يجب العمل على بناء مؤسسات إدارية محلية قوية ومستقلة، لتتمكن هذه المؤسسات من تقديم الخدمات لشعبها دون تدخلات خارجية. يشمل ذلك تطوير هياكل تنظيمية قادرة على إدارة الموارد المحلية بشكل فعال، وكذلك تعزيز دور هذه المؤسسات في تحسين جودة الحياة للسكان الكرد في سوريا.
فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، من الضروري أن يتم تنسيق وتوحيد القوى العسكرية الكردية ضمن قيادة موحدة. توحيد هذه القوى العسكرية سيساهم في تعزيز الاستقرار الأمني في المناطق الكردية، كما سيعزز من موقف الكرد في أي مفاوضات سياسية قد تحدث مع الأطراف السورية الأخرى.
من الأهمية بمكان أن لا تؤثر القوة العسكرية على العملية السياسية. يجب أن تعمل القوى العسكرية على دعم المبادرات السياسية وتوحيد المواقف بدلاً من فرض نفسها في عملية صنع القرار. التوازن بين الجناحين العسكري والسياسي سيساهم في تعزيز الاستقرار وتحقيق الأهداف السياسية للكرد.
من المهم أن يتم الاتفاق على المطالب الرئيسية للكرد في سوريا. هذه المطالب تشمل الحقوق الثقافية، السياسية، الإدارية والثقافية، بالإضافة إلى التوافق حول شكل العلاقة مع النظام السوري وبقية القوى السياسية في البلاد. إن تحديد هذه المطالب بوضوح سيسهم في توحيد المواقف الكردية وتسهيل عملية التفاوض.
يجب أن يتم صياغة خطة سياسية واضحة تحدد شكل الحكم في المناطق الكردية في سوريا ضمن النظام السياسي المستقبلي للبلاد. يتطلب هذا التنسيق بين جميع القوى الكردية لضمان تمثيل حقيقي للمطالب الكردية داخل أي صيغة سياسية قد تطرأ في المستقبل.
لذا، من المهم أن تنسق الأحزاب الكردية جهودها لتعزيز حضور القضية الكردية في الساحة الدولية. ينبغي أن يسعى المجلس الكردي الموحد إلى بناء شبكة من العلاقات مع القوى الكبرى والمنظمات الدولية المعنية بالصراع السوري. يكون الكرد طرفاً معترفاً به في أي مفاوضات سياسية مستقبلية، مما يضمن لهم موقعاً قوياً في حل الأزمة السورية.
بناء تحالفات مستدامة مع القوى السياسية السورية الأخرى:
إن بناء تحالفات مستدامة مع القوى السياسية السورية الأخرى يتطلب استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة بين الكرد والمكونات الأخرى. من خلال فتح قنوات حوار دائمة مع العرب، السريان، الآشوريين، وغيرهم من المكونات السورية، والتركيز على القواسم المشتركة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان واللامركزية. وبذلك، تكون سوريا المستقبلية أكثر توازناً وعدلاً لجميع مكوناتها.
الخلاصة:
بناءً على ما أسلفنا آنفاً، فإن تحقيق وحدة الموقف الكردي في سوريا يتطلب إرادة سياسية وتعاوناً حقيقياً بين جميع القوى الكردية في البلاد. من خلال الخطوات العملية المذكورة، بما في ذلك إنشاء مؤسسات موحدة وتنسيق سياسي وعسكري، وتعزيز العلاقات الدولية، يمكّن الكرد من أن يكونوا جزءاً رئيسياً في بناء سوريا ديمقراطية وموحدة. إن التنسيق مع القوى السورية الأخرى، والاهتمام بمصالح جميع المكونات، يعزز من فرص التوصل إلى حل سياسي شامل يضمن مستقبلاً أفضل لجميع السوريين.
يتبع…
=============
ملاحظة: تم ترتيب الأسماء في كل قسم وفق أحرف الأبجدية العربية.
=============
القسم الثامن: تضم مشاركات كل من السادة :
– جوان يوسف: كاتب وناشط سياسي .
– خورشيد شوزي (3\3) : رئيس تحرير جريدة القلم الجديد (Pênûsa nû) .
– محمود برو : كاتب .
– مشعل اوصمان : كاتب .
=============