صبري رسول(•)
قراءة الأحداث السّياسية في سوريا والمنطقة الكُردية مؤخّراً تؤكّد أنّ ثمّة مؤشّرات قوية لبداية مرحلة كُردية جديدة، بالتّنسيق مع التّحالف الدولي لمحاربة داعش. فلم يعُد مقبولاً بعد كلّ هذه المتغيّرات في سوريا والمنطقة أن يبقى الكُرديّ خارج «غرفة» صياغة القرار السّوري كما كان خلال الفترة الماضية، خاصّة بعد استلاب حزب البعث السلطة من الشّعب.
الجرحُ الكُرديّ في سوريا عميقٌ جداً، بدءاً من ترسيم الحدود الدّولة السّورية، بعد إلحاق جزءٍ من الجغرافية الكُردية إليها، مروراً بالتعريب القسري وانتهاءً بتصفية مئات من نشطائه في أقبية النّظام، كما فعل بالسّوريين بشكلٍ عام. معاناة الكُردي اختلفت عن معاناة السّوريين، لأنّه تعرّض للقمع القومي وطُبّقت بحقّه سياسات عنصرية على مدى خمسين سنة.
كيف يُداوي الكُرديّ جغرافيتَه المُثخَنة بالجراحات التّاريخية؟ سؤالٌ مرير يطلقها الكرديّ في وجه ساستهم قبل ساسة الشّرق الأوسط، وفي وجه الرّيح على مدار عقودٍ طوال. كيف له أن يضع أشلاء هذه الخريطة على سرير التداوي؟
التّحدياتُ الخطيرة داخلياً وخارجياً أقوى من الفرص المتاحة ونوافذها الضّيقة، ومن أبرز تلك التحديات، غياب الاتّفاق الكُردي الدّاخلي، وإضاعة الفرص المتوفّرة منذ بداية الثّورة السّورية، ما يمنح الآخر فرصة الانقضاض على الحلم الكردي، وتقويض إمكانية القيام بعمل جماعي.
تؤكّد التّجارب التّاريخية على أن الضّعف الدّاخلي يسهّل للآخرين طريق الدّخول وهدم فرص التّعافي من الخلافات والصّراعات، وانهيار النّظام السّوري خير دليل. التّحديات الخارجية ليست أقل خطورة من الدّاخلية، بل هي الأخطر، فالقوى الإقليمية تبحث عن مصالحها وامتيازاتها وليست عن توفير المناخات والظروف للتوافق الداخلي .
الخطاب السّياسي لبعض الأطراف، الذي ما يقارب الشّعارات التي اهترأت واصفرّت أوراقها، مازال متداولاً لدى فئات واسعة من الكرد، فـ«إخوة الشعوب» التي يستميت في سبيلها الكردي هي محرقة حقيقية للكرد في الظروف الحالية، فالدول المنية على الأسس القومية كتركيا وإيران وسوريا، تحرق الأخضر واليابس إذا شعرت بأي تهديد للأمنها القومي، بينما الكردي يحمل هذا الشعار على كتفه، ويقدم القرابين دون أن يلقى أي اهتمام من الآخر. يمكن أن تؤسس فكرة «إخوة الشعوب» لعلاقات سليمة إذا تمكن الكردي من بناء دولته أسوة بالعرب والترك والفرس، ثمّ يتمّ التّفاهم بين هذه الشعوب وبين القوميات الأربعة، بناءً على الاحترام المتبادل، وعلى تجريم الحروب بينهم، والعمل على التلاقح الثقافي كما هي الحال بين دول الاتحاد الأوربي.
أما أن يهددك الآخر بإبادتك مع سلاحك ودفنك معها تحت الأرض، كما فعله الرئيس التركي قبل أيام، ويصفك الآخر بعدّوه الثاني والخطير وأنت مصر على الشعار الفضفاض فأنت تعيش خارج التاريخ، ومنفصل من الواقع.
– التطورات الأخيرة المكثفة كردياً مؤشر خطير على حجم التحديات التي تنسف الحلم الكردي. استشعر الكردُ بالخطر المحدق، فاستنفرت قواهم السياسية والاجتماعية، الاجتماعات المتتالية للقوى السياسية لم تتوقف، والحراك الاجتماعي، متمثلاً بالمنظمات والشخصيات المستقلة واتحادات الكتاب يشهد غلياناً داخلياً، لا أحد يستطع الرقص على المسرح وحده، والمشهد السياسي في غاية الخطورة.
استدرك الرئيس مسعود البارزاني خطر المرحلة، سيما بعد سقوط النّظام السّوري، فتحرّك بخطوات موزونة ومدروسة، حيث أوفد رئيس مكتبه د. حمید دربندي إلى قامشلي لصياغة ملامح التّفاهم الكردي المتأخر جدا ثم تلته الخطوة الثانية بتوجيه دعوة إلى قائد قوات قسد السّيد مظلوم عبدي، وعلى أثرها تمّ اللقاء في هولير حرصاً على إيجاد تفاهمٍ يُنقِذُ الوضع الكُردي المتدهور. وأكّد الزعيم الكُردي على مدار سنوات دعمه السّياسي اللامتناهي للقضية الكُردية في سوريا.
مبادرة الزّعيم الكُردي مسعود البارزاني تركت ارتياحاً عاماً لدى الكرد السوريين، وأنعشت الأمال في نفوسهم، حيث تنفّس الجميع بعد الضّغوط الأمنية والنّفسية على الكُرد في سوريا، فوحده العمل السّياسي المشترك سبيلٌ إلى الحقّ الكُردي في سوريا لامركزية، لأنّ الجغرافية الكردية لاتتعافى بصلوات الاستسقاء، ولا بالأماني المكتومة في قلوب الكُرد.
—————–
(•) صبري رسول: ناقد وكاتب كردي يعيش في ألمانيا