مفترق الطرق سورياً وأزمة تحديد المشروع كُردياً

فرحان كلش
طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك سببياً.
والكُرد ولكونهم جزء من اللوحة السياسية السورية المتكسرة، يحاولون جدياً صياغة تموضعهم اللاحق، ولكن الملاحظ جلياً أنهم ليسوا على خط واحد، وهذا منطقياً قد يكون ناتجاً عن وجود تعدد مخارج من الأزمة والمطلوب هو تحديد الخيارات من بين جملة ممكنات وأخرى لا واقعيات.
ما نسمعه يومياً من الساسة الكُرد حول مطالبهم في سوريا يبعث على الدهشة من زاوية اللاوضوح والإضطراب البيّن في تصريحاتهم وأحاديثهم، فضلاً عن تعدد مصادر هذه التصريحات وتضاربها في أحيان كثيرة.
فأنا ككُردي أسمع كلاماً عن الكونفدرالية من غرف تنظير معينة، وأسمع عن الفدرالية وعن الإدارة الذاتية وكذا اللامركزية السياسية ومثلها الإدارية، والأغرب تلك الأصوات الداعية إلى تجريد الكُرد من خصوصيتهم القومية، كأن يدعوا إلى خطر الدولة القومية وكذلك أن أي مشروع كُردي يجب أن يخدم سوريا، وكأن الكُرد كائنات خارج اللحظة وأن كل ما يُقال عنهم من انفصالية وتدمير حدود السايكس-بيكو ستتحقق بكبسة ذر من يدهم الطاهرة.
وهكذا تسير القافلة السورية وتثبيت الحكم الجديد ونحن نبحث عن أنفسنا، نبحث عن مشروع يرضي السوريين أولاً وهؤلاء أثبتوا بلا أدنى شك أن الكُردي الجيد في نظرهم هو الكُردي الذي سيعود إلى(صندوق بويته)كما أعلن ذلك جلّ الساسة والمثقفين الداعمين الآن للإدارة الجديدة بلا شروط وإنها تمثل كل أحلامهم.
مازال ساستنا يتحاورون ويختارون الألفاظ الرمادية التي سيرضون بها الشركاء في الوطن، متناسين أن الكُردي الآن لديه آلاف المقاتلين، ولديه عقد من النضال مع المعارضة السورية، وأهم من ذلك لديه خصائص شعب على أرضه التاريخية.
إلى الأن نبدوا كمن يتلمس طريقه في ظلمة الليل، قوى سياسية متشرذمة وأنانية، وساسة يتخبطون في فوضى التصريحات، لا اتفاق إلى الآن على مشروع كُردي برؤية واضحة يمكن دفعها إلى الحكام الجدد.
نعرف أن الوقائع فاجأتكم، وأنتم بالأساس بلا خصائص قيادية مميزة وأتى أغلبكم كنتيجة للانشقاقات المتتالية في الحركة السياسية الكُردية، ولكن رغم ذلك عليكم الدفع نحو التنازل المتبادل، و ترك الشروط التي تلقونها في وجوه بعضكم، فالوصول إلى رؤية كُردية موحدة وبأهداف محددة أهم بما لا يُقاس من أهم شروطكم.
القاعدة غير مختلفة على شيء فيما بينها، الساسة هم جذر الخلاف، لذلك فالوقت يمضي والأحداث لن تنتظر دلالكم وتكبركم، مصلحة هذا الشعب المعذب أهم من كل فلسفاتكم وتحجركم وتمترسكم خلف رؤاكم التافهة قياساً لتحقيق شيء لهذا الشعب المكلوم والذي لن يرحمكم ومصيركم في النهاية بيده، وهو سيقرر مصيره مهما تكالبت الظروف القاسية عليه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…