مسألة الميليشيات المعقدة والحلول البديلة

عزالدين ملا

في المشهد السياسي والعسكري على الساحة الشرق أوسطية، تتصدر الفصائل والميليشيات العسكرية الموجودة على الأرض، والتي تعتبر أدوات وأذرع لدول إقليمية وعالمية، ترتهن لأوامرها، وتستبد في ممارساتها ضد شعوب المنطقة. كما تُحدث خللاً في البنية المجتمعية لتلك الشعوب، تحارب العلم والمعرفة، تمارس الفتن، وتبث أفكاراً مؤدلجة متطرفة، تهدم الأخلاق والقيم المجتمعية، وأسست ضمن كل دولة وكل شعب في منطقة الشرق الأوسط فصيلاً وميليشيا عسكرية لسهولة التدخُّل وفرض أجنداتها.

هؤلاء لا يمكن المراهنة على بقائها أو انتهائها، هم كانوا وما زالوا الأداة والقوة التي يتم من خلالهم السيطرة على الأرض دون التدخل المباشر من قبل تلك الدول، أي التحكُّم عن بعد، ولكن ما يلاحظ من التصريحات الإعلامية التي تصدر أن المنطقة متجهة نحو ترتيبات تكون في مجملها فرض إملاءات سياسية وإنهاء ما كانت عسكرية، وبذلك إنهاء مهمة هذه الأدوات والأذرع، وبمعنى آخر سيتم تقزيمها وإضعافها، وجعلها خلايا نائمة واستخدامها متى ما شاءت. وقد تكون لها تطورات وأبعاد سياسية يأتي بإنهاء هكذا جماعات في تلك المناطق.

فقد أصبحت هذه الفصائل والميليشيات وبالاً ثقيلاً على كاهل الجميع من سوريا إلى العراق مروراً بلبنان إلى فلسطين واليمن، بعد أن مرروا الجميع مخططاتهم ومشاريعهم ومصالحهم ونفوذهم من خلال هؤلاء، وستنتهي مهماتهم، ويصبح من الواجب إنهاؤهم وإقناع شعوب المنطقة بأنهم سيعملون إلى تخليصهم من ترهيب هذه الجماعات، وإيهامهم بأنهم اليد المنقذة التي تنتشلهم من هذا المستنقع المظلم. وبعد انتهاء مهمات هؤلاء، ستبدأ عملية إنهائهم وبأساليب وطرق توهم شعوب المنطقة بأنهم يفعلون ذلك من أجلهم.

لطالما كانت الفصائل المسلحة والميليشيات أدواتٍ حيويةً في تحقيق أهداف الدول الكبرى وصناعة النفوذ. في الشرق الأوسط، تُعتبر هذه الفصائل بمثابة أذرع لممارسات السياسة الخارجية للدول الكبرى، حيث تستخدمها لتحقيق أهدافها دون الحاجة إلى التدخل العسكري المباشر. ولكن، في الوقت الذي يتغير فيه المشهد الجيوسياسي، وتظهر تحرُّكات جديدة على الساحة الدولية، يُطرح تساؤل أساسي حول مصير هذه الفصائل والميليشيات: هل يمكن إنهاء دورها أم أن هناك تطور جديد في وظائفها؟

إن الفصائل والميليشيات في منطقة الشرق الأوسط، تُعدُّ وسيلة للدول الكبرى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون التدخل المباشر. حيث كانت هذه الفصائل والميليشيات أدوات فعالة لأن لها القدرة على السيطرة على الأرض وفرض واقع معين دون الحاجة إلى إحداث تدخلات عسكرية مكلفة. كان يُنظر إليهم كقوى يتم التحكم بها عن بُعد، مما يوفر للدول الكبرى نوعًا من الاستراتيجية الماكرة في تحقيق أهدافها الإقليمية.

مع تغيُّر الظروف في السياسة الدولية والإقليمية وتوازناتها، وظهور قوى جديدة، أصبح هناك تحول ملحوظ في طريقة التعامل مع هذه الفصائل. التصريحات الإعلامية وتوجهات الدول الكبرى تشير إلى رغبة في إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بطرق تتجاوز الأساليب العسكرية المباشرة. يبدو أن المنطقة متجهة نحو ترتيبات سياسية جديدة قد تتضمن تقليص دور الفصائل والميليشيات إلى حد كبير.

هذه الترتيبات ربما تكون ناتجة عن التغيُّرات في مصالح الدول الكبرى، وتزايد التنافس بين القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا، وتغير استراتيجياتهما، قد يكون هناك دافعاً لتقليص الاعتماد على الفصائل والميليشيات لصالح أدوات دبلوماسية واقتصادية أكثر فاعلية.

كذلك قد تكون بسبب الضغوط من المجتمعات في مناطق النزاع التي بدأت تطالب بوقف العنف والتدخلات الأجنبية. كما أن هناك ضغوط دولية متزايدة لإنهاء الأزمات الإنسانية التي تسببت بها هذه الفصائل، مما يجعل من الصعب على الدول الكبرى الاستمرار في دعمها.

وقد تكون مع زيادة الوعي العالمي بممارسات هذه الفصائل وتعرضها للانتقادات، أصبح من الضروري على الدول الكبرى أن تظهر بمظهر المنقذ الذي يعمل على استقرار المنطقة وإزالة التهديدات منها.

يبدو أن إنهاء دور الفصائل والميليشيات في الشرق الأوسط قد يكون له تأثيرات متعددة تتفاوت بين الإيجابية والسلبية، أولاً، الاستقرار النسبي، إذا تمت إزالة هذه الفصائل بطريقة منظمة، قد يحدث استقراراً نسبياً في المناطق المتضررة، مما يسهم في تخفيف معاناة المدنيين وتحقيق السلام النسبي. ثانياً، إن إزالة هذه الفصائل قد تؤدي إلى تغييرات في ميزان القوى الإقليمية، وقد يظهر لاعبون جدد على الساحة، أو قد تعود بعض الدول الكبرى لزيادة تدخلها بشكل مباشر. ثالثاً، قد تواجه الدول التي تسعى لإنهاء دور هذه الفصائل تحديات إنسانية وسياسية كبيرة. فالتخلص من الفصائل قد يتطلب جهوداً ضخمة لإعادة بناء المجتمعات المتضررة وتعويض المدنيين عن الأضرار التي لحقت بهم.

إذا ما تمَّ إنهاؤها يمكن أن تتحول تلك الفصائل والميليشيات إلى خلايا نائمة تُستخدم فقط في حالات الطوارئ أو لتحقيق أهداف معينة. هذا قد يقلل من تأثيرها اليومي، ولكنه لا يقضي تماماً على تهديدها. أو قد يتم دمج بعض المجموعات في الأنظمة السياسية المحلية كجزء من عمليات المصالحة الوطنية، مما يجعلها جزءاً من العمليات السياسية الرسمية. وقد تسعى الدول الكبرى إلى احتواء هذه الفصائل داخل مناطق معينة، مما يجعل من الصعب عليهم التحرك أو تنفيذ عمليات واسعة النطاق.

إن مستقبل الفصائل والميليشيات في الشرق الأوسط هو مسألة معقدة تتداخل فيها السياسة الإقليمية والدولية. بينما يشير الاتجاه الحالي إلى تقليص دور هذه الجماعات وإيجاد حلول بديلة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، فإن الطريق إلى هذا الهدف قد يكون محفوفًا بالتحديات.

إن فهم الدينامياتِ المتغيّرة والتأثيرات المحتملة يمكن أن يساعد في التنبؤ بما قد يحمله المستقبل للشرق الأوسط، سواءً من حيث الاستقرار أو إعادة تشكيل القوى والنفوذ.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…