مجلس الخبراء في حالة تأهب: بكاء الأعضاء يعكس مخاوف من غياب خامنئي

سعيد عابد*

في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني، مكلفاً باختيار المرشد الأعلى – وهي وظيفة محورية في النظام الثيوقراطي.

وفي تصريحاته، طمأن خامنئي جمهوره قائلاً: “إن حركة النظام لن تتوقف”. وأكد أن مجلس الخبراء سيحدد خليفته عند وفاته. ومع ذلك، فإن تصريحاته ضربت على وتر حساس، وفسرها الكثيرون على أنها اعتراف خفي بوفاته ونذير بعدم اليقين بشأن مستقبل النظام وسط تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية.

ردود الفعل داخل النظام

أثارت تصريحات خامنئي رد فعل عاطفي غير عادي في أوساط مجلس الخبراء. وكشف رجل الدين حيدري كاشاني أن أعضاء المجلس تأثروا كثيراً بكلامه لدرجة أنهم “بدأوا في البكاء ولم يستطيعوا إيقاف أنفسهم”. وقد سلط هذا العرض العلني للمشاعر الضوء على القلق المحيط باحتمال قيام نظام بدون خامنئي.

وسرعان ما تحرك ممثلو النظام لمواجهة موجة التكهنات والقلق. وسعى أئمة صلاة الجمعة في جميع أنحاء إيران، والذين يعملون أيضًا كممثلين إقليميين لخامنئي، إلى دحض الشائعات وإعادة تفسير تعليقاته. وكان سيد أبو الحسن مهدوي، إمام صلاة الجمعة في أصفهان، يهدف إلى طمأنة الجمهور، قائلاً: “إنني أقول للأعداء ألا يفرحوا كثيراً؛ بل عليهم أن يحزنوا. إنه بصحة جيدة.” وبالإشارة إلى رواية حيدري كاشاني، نفى مهدوي المزاعم القائلة بأن خامنئي حث على اتخاذ إجراءات فورية لتحديد خليفة له أو تسبب في بكاء أعضاء المجلس.

وذهب حسين شافعي درابي، إمام صلاة الجمعة في ساري، إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أنه حتى لو توفي خامنئي، فإن النظام سيظل سليماً. وفي حين أن هذه التصريحات استهدفت ظاهرياً “أعداء” خارجيين، إلا أنها سعت في المقام الأول إلى معالجة القلق المتزايد بين مؤيدي النظام.

تناقضات وتكهنات متصاعدة

رغم جهودهم، إلا أن ردود أئمة الجمعة كانت مليئة بالتناقضات. وكان التركيز المفرط على “صحة خامنئي الجيدة” وتجاهل ردود الفعل العاطفية داخل المجلس سبباً في تضخيم التكهنات العامة. كما أدت اتهامات “الكذب” ضد المنتقدين والطبيعة المفككة لدفاعاتهم إلى تآكل مصداقيتهم.

على سبيل المثال، كان اعتراف مهدوي بوجود “اللجنة السرية” التابعة لمجلس الخبراء والمسؤولة عن تحديد الزعيم القادم بمثابة تأكيد للشائعات حول الاستعدادات لنقل القيادة. وقد غذت مثل هذه الاعترافات تصورات الضعف داخل النظام، وسلطت الضوء على استعداده لمرحلة ما بعد خامنئي، بينما نفى في الوقت نفسه مثل هذه الحاجة.

أزمة الشرعية

يمكن تفسير الأحداث الجارية وردود مسؤولي النظام من خلال عدستين. فمن ناحية، قد تعكس تصريحات خامنئي وردود الفعل اللاحقة جهداً محسوباً لإدارة الأزمة المحتملة لغيابه وضمان انتقال سلس للسلطة. ومن ناحية أخرى، فإنهم يشيرون إلى أزمة شرعية أعمق، حيث يعاني النظام من حالة عدم اليقين بشأن مستقبله بدون شخصيته المركزية.

وما لا يمكن إنكاره هو حساسية النظام المتزايدة تجاه الشائعات ونضاله من أجل تحقيق الاستقرار. إن المحاولات المتكررة لنفي التكهنات حول صحة خامنئي وقيادته المستقبلية تكشف عن خوف عميق من فراغ السلطة. إن تعرض النظام لمثل هذه السيناريوهات يسلط الضوء على هشاشة أسسه والدور الحاسم الذي يلعبه خامنئي في الحفاظ على التماسك.

ومع تزايد ظلال الغياب المحتمل لخامنئي، فإن التناقضات والأخطاء التي يرتكبها النظام في معالجة هذه المخاوف قد تؤدي عن غير قصد إلى التعجيل بحالة عدم الاستقرار التي يسعى إلى تجنبها.

 

*سعيد عابد عضو لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية؛ ناشط في مجال حقوق الإنسان، وخبير في شؤون إيران والشرق الأوسط*

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…