مأساة سري كانيي وتل أبيض: الوجه الآخر للتهجير في أوج التجاهل

إبراهيم اليوسف

 

عندما يتحدث العالم عن مأساة عفرين، تتوجه الأنظار نحو معاناة الكرد الذين طُردوا من منازلهم وأراضيهم بفعل الاحتلال التركي وسياسات الفصائل المسلحة الموالية له. ولكن في الوقت ذاته، يكاد يُنسى ذكر المأساة المستمرة في مدينتي سري كانيي “رأس العين” و”تل أبيض” كري سبي، حيث تعيش الكارثة الإنسانية أبعادًا لا تقل مأساوية، بل ربما تفوقها في بعض الجوانب. هذه المدينة التاريخية الكردية، التي كانت نابضة بالحياة، تحولت إلى مدينة أشباح بعد أن أُجبر سكانها الكرد على النزوح، ولم يبقَ فيها سوى أقل من خمسين شخصًا ممن لم يتمكنوا من الفرار.

بعد سيطرة تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها على” سري كانيي” وتل أبيض في عام 2019، بدأت عمليات التهجير القسري للسكان الكرد بشكل ممنهج. استُهدفت القرى والمدن بهجمات وحشية دفعت الأهالي إلى النزوح الجماعي. لم تكن هذه السياسات وليدة لحظة، بل جاءت ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق الكردية وتحويلها إلى بؤر نفوذ تركي. الجرائم التي ارتُكبت في هذه المناطق شملت الاستيلاء على المنازل والممتلكات، إضافة إلى الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها من تبقى من السكان. أصبح العائدون القلائل عرضة للملاحقة والابتزاز، بل وحتى التصفية الجسدية، في محاولة لترسيخ واقع جديد يضمن السيطرة التركية المطلقة على المنطقة.

رغم الحجم الهائل للمأساة، تبدو” سري كانيي” وتل أبيض غائبتين عن المشهد الإعلامي والسياسي. التركيز المفرط على عفرين، رغم أهميته، يترك تساؤلات حول سبب هذا التجاهل، وكأن هذه المدن لا تستحق الاهتمام أو الدعم. هذا الصمت، سواء الدولي أو المحلي، يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الكردية، حيث يتم تسليط الضوء على مناطق معينة وتجاهل أخرى. اليوم، تعاني سري كانيي وتل أبيض من كارثة إنسانية لا يمكن وصفها إلا بالإبادة الصامتة. السكان الذين نزحوا يجدون أنفسهم عالقين في المخيمات دون أمل قريب بالعودة، بينما يتعرض من تبقى للاضطهاد المستمر. المنازل المصادرة، الأراضي المسلوبة، والهوية التي يتم محوها تدريجيًا، كلها أوجه لهذه المأساة التي تمر دون أي محاسبة للمسؤولين عنها.

إعادة تسليط الضوء على مأساة سري كانيي وتل أبيض ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي جزء من معركة العدالة الأوسع. يجب أن تتضافر الجهود المحلية والدولية لإعادة سكان هذه المدن إلى منازلهم، وضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. كما يجب أن تكون هناك خطة واضحة لتأمين المنطقة، ومنع تكرار هذه الكارثة. الحديث عن معاناة الكرد في عفرين لا يكتمل دون ذكر نظيراتها في سري كانيي وتل أبيض. هذه المدن تحمل في طياتها قصص الألم والصمود، وهي بحاجة إلى من يقف إلى جانبها ليعيد إليها الحياة، ولينهي معاناة سكانها الذين فقدوا كل شيء عدا الأمل الذي لا يزال ينبض في قلوبهم.

ولي عودة إلى رأس العين وتل أبيض

 

النص :إعداد ومتابعة وموقف وقراءة  فحسب كما نصوص ما بعد عمليات الطوفان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…