لماذا تتعثر الديمقراطية في العالم الإسلامي؟

عدنان بدرالدين
شهدت المنطقة فصلا جديدًا من فصول اضطراباتها مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع. هذا الحدث، كغيره من التحولات الكبرى، يعيد طرح السؤال القديم المتجدد: لماذا تبدو الديمقراطية كالحلم البعيد في الدول ذات الأغلبية المسلمة؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الغوص في عمق العلاقة بين الدين والثقافة والسياسة، حيث يشكل الإسلام في هذه المجتمعات أكثر من مجرد عقيدة شخصية. إنه نظام شامل يوجّه الحياة والقوانين. وبينما تُعتبر الشريعة الإسلامية مقدسة، تجدها أحيانًا على طرفي نقيض مع أسس الديمقراطية التي تستند إلى قوانين بشرية، وحريات فردية، وتمثيل متساوٍ. بالنسبة للكثيرين، تبدو فكرة أن يكون الحكم بيد الشعب غريبة وربما مستفزة لمفاهيم مقدسة متوارثة.
إن إرث التاريخ يزيد الطين بلة. فقد خطت القوى الاستعمارية حدود هذه الدول بلا اكتراث لتركيبة سكانها، فكانت النتيجة مجتمعات متباينة تعج بالتوترات الداخلية. ومع رحيل الاستعمار، تسلم السلطة قادة مستبدون، قدموا وعودًا بالاستقرار مقابل إسكات أي صوت معارض. هذا الإرث من الاستبداد ترسخ، ليصبح قيدًا يحول دون نهوض الديمقراطية. وفي هذا المشهد، تلعب الفجوة الاقتصادية دورًا خطيرًا، حيث تتركز ثروات البلدان الغنية بالموارد في أيدي النخب، التي تستغل هذه الأموال كأداة للسيطرة بدلا من تمكين الشعوب.
إضافة إلى ذلك، تُغذي الثقافة الجماعية في هذه المجتمعات شبكات الولاء القائمة على الأسرة أو القبيلة أو الدين، مما يضعف مفاهيم الفردية والانفتاح، وهي عناصر أساسية لازدهار الديمقراطية. هذا الولاء الجماعي، رغم ما يوفره من شعور بالأمان والانتماء، يحد من التنوع الفكري والانفتاح الضروري لقيام نظام ديمقراطي حقيقي.
ولا يمكن التغافل عن أثر القوى الكبرى النافذة، التي لطالما فضلت الاستقرار المؤقت على حساب الديمقراطية، داعمة أنظمة استبدادية تضمن لها مصالحها الآنية. وهذا النهج، كما يظهر من صعود “هيئة تحرير الشام”، يترك الفراغات السياسية لتمتلئ بالقوى الشمولية، مما يجعل الديمقراطية مجرد فكرة هامشية.
ورغم كل هذه التحديات، تظل شعلة الحرية مشتعلة في قلوب الشعوب. من ميادين الربيع العربي إلى احتجاجات إيران ونضالات الكرد من أجل الحرية، يواصل الناس المطالبة بالكرامة والعدالة والتمثيل. لكن دون تغيير جذري في البنية السياسية لهذه الدول، ومع غياب الدعم الدولي لتعزيز الديمقراطية بدلا من دعم الأنظمة القمعية، قد يبقى هذا الحلم بعيد المنال. ومع دخول دمشق حقبة جديدة تحت حكم أحمد الشرع، يبقى السؤال: هل سنشهد استمرارية للاستبداد، أم أننا أمام بداية لنظام ديمقراطي تعددي؟ الزمن وحده كفيل بالكشف عن الإجابة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…