قراءة تحليلية في خطاب الرئيس مسعود بارزاني.. نبرة أكثر حدة في مواجهة مرحلة متغيرة

شفيق جانكير

ألقى الزعيم الكوردي مسعود بارزاني كلمة شاملة وعميقة، في مناسبة توحيد منظمتين طلابية وشبابية كورديتين، كانت في ظاهرها احتفالية وتنظيمية، لكنها في مضمونها حملت رسائل سياسية كثيفة، تضمنت لهجة جديدة على خطابات بارزاني التقليدية التي عرفت عادة بالهدوء والحسابات الدقيقة. وقد جاءت هذه الكلمة وسط تحولات إقليمية ومحلية حساسة، الأمر الذي يجعل من الخطاب وثيقة سياسية تعبر عن موقف بارزاني من مجمل التطورات الجارية.

اللافت في خطاب بارزاني هذه المرة هو حدة النبرة، ووضوح الرسائل، وتسمية الأشياء بمسمياتها بشكل أكثر صراحة. فهو لم يتردد في القول بأن الدستور لم يحترم، وأن الشراكة التي تم التعهد بها بعد 2003 قد أفرغت من مضمونها، وأن فرض الإرادة السياسية للأغلبية لن يقود إلى استقرار، بل إلى فشل محتوم. كما استخدم تعبيرات شديدة اللهجة حين وصف التعامل مع قضية الرواتب بـ”الإهانة” لتاريخ كوردستان، وهو تصعيد في الخطاب لم يعهده المتابعون من بارزاني إلا في لحظات سياسية فارقة.

لفهم هذا التبدل في النبرة، يجب ربط الخطاب بالسياق الإقليمي المتغير، لاسيما ما يتعلق بـ”محور المقاومة”، الذي يضم إيران والفصائل الولائية المرتبطة بها في العراق. كان هذا المحور لسنوات أحد الأركان المهيمنة في المشهد السياسي العراقي، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت تراجعا في تأثيره، نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية، من الاحتجاجات الشعبية إلى العقوبات الدولية، فضلا عن الأزمات الاقتصادية والسياسية في طهران نفسها.

بارزاني، الذي لطالما خاض صراعا صامتا أو دبلوماسيا مع هذا المحور، وجد اللحظة سانحة لتوجيه رسائل أكثر صلابة. فخصومه السياسيون المرتبطون بإيران، ممن يهيمنون اليوم على القرار في بغداد، يعيشون حالة من التراجع، ما دفعه إلى إعادة ضبط نبرة المواجهة معهم، والتأكيد على ثوابت لا يمكن التنازل عنها، مثل وحدة الإقليم، وعدم التفريط بشرعية الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أو القبول بهيمنة سياسية لا تراعي الشراكة الفعلية. وما ميز خطاب بارزاني النبرة القوية تجاه الاتحاد الوطني وتصريحه القاطع بشأن تشكيل الحكومة المقبلة في كوردستان:

“يجب أن تبنى على أساس وحدة الإقليم، برلمان واحد، حكومة واحدة، وبيشمركة واحدة. حكومة لا تقوم على هذا الأساس، فالأفضل ألا تقام.”

رغم أن هذه العبارة كانت الشعار الرئيسي لحملة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات الأخيرة، فإنها تمثل تصعيدا واضحا وخروجا عن اللغة التوافقية التي اعتيد استخدامها تقليديا في مخاطبة الاتحاد الوطني الكوردستاني، الشريك الرئيسي في الحكم داخل الإقليم، ولكنه أيضا الطرف الذي اتهم مؤخرا بالتقارب مع بغداد على حساب وحدة الصف الكوردي، خاصة في ملفات حساسة كملف كركوك، وملف البيشمركة، وتوزيع الرواتب.

هذا الموقف لا يحمل فقط بعدا وحدويا في الظاهر، بل يتضمن أيضا رسالة داخلية صريحة مفادها أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني لن يسمح بتحول الاتحاد الوطني إلى قناة موازية للتفاوض مع بغداد. فمبدأ “حكومة واحدة وبيشمركة واحدة” يعني رفض أي ترتيبات خاصة أو اتفاقات منفردة بين الاتحاد الوطني والحكومة الاتحادية.

كما يعكس ذلك أيضا رغبة بارزاني في إعادة تثبيت مركزية القرار داخل الإقليم، في وقت بدأت فيه بعض القوى، محليا وخارجيا، تتعامل مع القوى الكوردية بشكل منفصل، وهو ما يهدد بفك تماسك البيت الكوردي من الداخل.

إذا ربطنا هذه اللهجة القوية تجاه الاتحاد الوطني الكوردستاني مع النبرة التصعيدية ضد بغداد، يمكننا استنتاج أن بارزاني يرى في اللحظة الحالية فرصة لإعادة ضبط التوازنات السياسية، مستندا إلى تراجع تأثير محور المقاومة، وضعف حكومة بغداد سياسيا ونجاح حزبه في الانتخابات، وتراجع شعبية خصومه محليا ووطنيا.

رغم اللهجة الحادة، حرص بارزاني على إرسال رسائل إيجابية خارجية، أبرزها دعم عملية السلام في تركيا، والدعوة إلى حل سياسي في سوريا، والتهدئة في إيران. وهذا يدل على أن بارزاني، رغم تصعيده اللهجوي تجاه بغداد ومحور طهران، لايزال مؤمنا بإمكانية التفاهم الإقليمي، شريطة احترام خصوصية كوردستان وعدم المساس بمكتسباتها.

إنها لهجة سياسية جديدة، تعكس تحولا واضحا في تعاطي بارزاني مع المرحلة، ومع الداخل والخارج على حد سواء.

==========

المصدر: روداو

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…