درويش محما*
خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم.
صباح يوم التاسع من ديسمبر، قال لي احدهم: مبروك لقد سقط الاسد، ودخلت على الفور صفحة اخبار البلد، واول خبر قرأته كان عن هروب الولد، وقلت لنفسي: واخيرا فر الطاغية، وبفراره انتهى وانتهت معه حقبة ابيه الباغية، ونصف قرن او اكثر ساد فيه الظلم والظلام على البلاد وأهل البلاد من العباد.
عدت الى التلفاز، قناة العربية طبعا، فهي تبث من دمشق المحررة، ولأكن على بينة بالشأن الكردي السوري اخترت قناة روداو الكردية العراقية.
مساء امس كنت اتابع بعض اللقاءات التي اجرتها قناة روداو مع العديد من كرد الشام، الكل عبر عن فرحته بسقوط الاسد وزوال نظامه، وهذا بحد ذاته أمر اكثر من طبيعي، فالسياسة العنصرية لنظام عائلة الاسد سواء الاب او الابن تجاه كرد سورية، كانت مؤلمة طويلة وقاسية، الأمر الاخر الطبيعي في خطاب الشارع الكردي، ودائما على التلفاز ومن العاصمة دمشق، واقعيته ومرونته، خطاب الشريك الوطني الكردي المهتم بالوطن السوري في نفس الوقت الذي يؤكد فيه على هويته الكردية، قال احدهم: نريد مدارس تدرس اللغة الكردية وجامعات كذلك.
وقال اخر: نحن الأكراد نريد ان يكون لنا وزراء في الحكومة الجديدة.
خبر اخر وعلى نفس القناة، لكنه خبر غير طبيعي هذه المرة، وغير عادي على الاطلاق، خروج مسيرة جماهيرية في مدينة كوباني”عين العرب”، الواقعة على مرمى حجر من تركيا، وتخطع لسيطرة قوات”حسد”، تندد هذه المسيرة بالحكومة التركية وترفع اعلام لصور لا تعد ولا تحصى لزعيم حزب العمال الكردستاني التركي، وتطالب بالافراج عنه.
حين اقول مشهد غير طبيعي، لا اقصد ندرة حدوث مثل هكذا حدث، لا ابدا، فحزب العمال الكردستاني التركي ومنذ بدايات الثورة السورية، وباتفاق مع الفار بشار الاسد، قام ببسط سيطرته على المناطق الكردية السورية، لا بل اكثر من ذلك توسع ليسيطر على مدن عربية سورية كالرقة ودير الزور، ولم يترك حزب العمال الكردستاني التركي هذا، فرصة الا واعلن عن عداءه للحكومة التركية وللرئيس اردوغان، لكن ان يخرج الناس الى شوارع مدينة كوباني وفي مثل هذا اليوم، ليعلنوا عن تبعيتهم بهذا الشكل الفاضح لحزب العمال الكردستاني التركي، وفي هذه الظروف الحساسة للغاية، وبعد الانقلاب الذي حدث موازين القوة وسقوط الاسد وتحرير سورية بدعم معلن لا محدود من تركيا ومن رئيسها، فهو حقا امر غير طبيعي.
مشهد اخر غريب وعجيب ودائما على شاشة قناة روداو الكردية العراقية، الشيخ د.مرشد الخزنوي نجل الشهيد معشوق الخزنوي رحمة الله عليه، والذي اغتاله المطلوب للعدالة والفار بشار الاسد، يخرج على الهواء من النرويج، غاضب حانق على القيادات السياسية المتصدرة للمشهد الكردي،”حسد” و”انكسة”، ويدعوها للوحدة والتعاضد والتعاون مع هولير وقنديل، ويسأله المذيع متى تعود حضرة الشيخ؟ يرد الشيخ: لن أعود مادام الكرد غير موحدين. لكن بعد مضي ٢٤ ساعة فقط لا غير، يظهر الشيخ مرشد الخزنوني ليس على الهواء هذه المرة، بل على الارض في استوديو روداو في هولير عاصمة كوردستان العراق.
المشكلة ان الشيخ وغالبية “البسطاء” من الكرد السوريين، اذا ما اعتبرنا الامر صادر عن طيب نية، لا يدركون في الحقيقة ان وحدة الساحات، إنما هي مصيبة ووبال وداء ليس له دواء، الكردي السوري انتماءه اليوم ومصلحته ومصيره ومستقبله مرتبط ومتعلق مع مصلحة ومصير العربي والعلوي والدرزي والمسيحي السوري، اكثر منه الى الكردي العراقي او الكردي التركي او الكردي الايراني، والعراقي الكردي هو اقرب لبغداد منه الى القامشلي، وهلمجرا.
لا لوحدة الساحات سيدنا الشيخ، وليتركونا وشأننا نحل قضايانا بانفسنا، لا للتدخل في الشأن الكردي السوري من اي جهة كردية اخرى غير سورية، ولكم في منطق وحدة ساحات، ومحور المقاومة والهلال الشيعي، الذي سقط لتوه، خير شاهد والعياذ بالله.
مبروك لكل اهل سورية سقوط وزوال الاسد واله ومن والاه، شكرا لمن قام باسقاطه، وشكرا لكل من عمل وخطط ودعم هذا السقوط، شكرا لمن حقق لنا حلمنا، واعادنا للكتاب والكتابة، لا تخذلونا رجاءا، ومن الله التوفيق وتصبحون دوما على سورية حرة لكل اهلها، سورية جميلة وعطرة كالياسمين.
*كاتب كردي سوري
D.mehma@hotmail.com