سوريا: من مخالب الأسد إلى أنياب الجولاني، من الاحتلال الإيراني إلى الاحتلال التركي!

شيروان شاهين
 
سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر إلى الاحتلال الإيراني كما لو كان يسلم مفاتيح بيته لجاره المغتصب. وعلى الرغم من كوارثه المدمرة، إلا أنه كان يبدو وقتها أن العالم راضيًا عن ذلك الاحتلال، طالما أن طائراته لم تقصف عواصم الغرب.
ولكن، كما لو أن كل هذا لم يكن كافيًا، ظهر في الأفق “الجولاني”، ذلك الإرهابي الذي اعتقدنا أنه مجرد ظاهرة عابرة مؤقتة. فإذا كان بشار الأسد قد زرع بذور الدمار، فإن الجولاني جاء ليحصد الثمار تحت راية الاحتلال التركي. لا أعني هنا الاحتلال العسكري فقط، بل الاحتلال الثقافي والعقلي. الجولاني، الذي لا يزال يعتقد نفسه بإنه حاكم شرعي لسوريا، يحاول الآن إقناع الأكراد بفتح صفحة جديدة من “التعاون” بينما هو في الحقيقة يسعى لتحويلهم إلى جزء من لعبته الإرهابية. وكأننا في مسلسل مكرر من الحروب الوهمية، حيث يُستخدم الدين كأداة رخيصة للسيطرة.
وفي الوقت الذي يشهد فيه السوريون على هذه المسرحية الهزلية، يتنقل الاحتلال التركي بين المدن والمناطق السورية كما لو أنها مزرعة خاصة به. لا يتوقف عن التمدد، ولا يتردد في مسح الهوية السورية لصالح مشروعه العثماني الخاص. في هذا السياق، يتحول قطاع كبير من السوريون السنة إلى “سوركيين كهوية موازية للسورية” بفضل الحملات الإعلامية التركية التي تزرع في عقولهم أن العدو هو الكرد، بينما يمر الاحتلال التركي أمام أعينهم وكأنه ضيف عزيز.
المشهد يصبح أكثر كوميدية عندما نرى الجولاني، الذي لا يختلف عن بشار الأسد في طغيانه، يتفاخر بأنه يملك الحلول للمشاكل السورية. يبدو أن الشياطين قد تغيرت، ولكن الروح واحدة. فما يفعله الجولاني الآن هو مجرد مسرحية أخرى لا تختلف عن تلك التي قدمها بشار الأسد، من حيث القتل والتدمير، ولكن هذه المرة مع لمسة ” فاشية إسلاموية”  تحاكي طالبان أفغانستان وخلفيته القاعدة القادمة من حكم قندهار سوريا: أدلب. الجولاني لا يختلف عن الأسد إلا في أنه يحاول استغلال دينه كغطاء لما يفعله من تهجير وقتل، في الوقت الذي يروج فيه نفسه كـ”قائد تحرير”، متجاهلًا أن تلك الشعارات ما هي إلا غطاء لاستمرار الاحتلال التركي تحت راية “الإسلام” و”العدالة”.
وفي النهاية، سوريا ليست ساحة لتصفية الحسابات بين تنظيمات إرهابية ولا معركة للتوسع الإقليمي. سوريا، التي نحلم بها، هي دولة علمانية ليبرالية، تكون لجميع السوريين، وليس لأي طاغية أو إرهابي. ولكن يبدو أن هذا الحلم أصبح بعيدًا كل البعد، وسط هذا الطوفان من الاحتلالات والانقسامات. بين الأمس واليوم، نجد أنفسنا نواجه احتلالًا متكرر مرة إيرانيًا، وآخر تركيًا، وجولانيًا، وكلهم يعتقدون أنهم وحدهم أصحاب الحق في تحديد مصير سوريا, وتحديد من هم السوريون! أي سوريين مفصلين على حسب مقاسهم ومشاريعهم. والأمر الأكثر سخرية أن كل هؤلاء يشتركون في شيئ واحد: الطغيان. الأسد، خامنئي، الجولاني، أردوغان، وكل من يمسك بمقاليد القوة في هذا البلد الممزق، لا يهمهم من تكون سوريا أو ما تعنيه بالنسبة للسوريين، بقدر ما يهمهم مصالحهم الخاصة.
إذا كانت سوريا حلمًا يومًا ما، فإن الواقع اليوم هو كابوس مستمر من الطغيان والاحتلالات المتتالية. من الأسد إلى الجولاني، من الاحتلال الإيراني إلى التركي، لا يزال السوريون يواجهون نفس الوجوه المتحولة، ولكن بألوان مختلفة، وكلهم يعزفون نفس اللحن الكئيب: “الوطن للبيع”.
.
شيروان شاهين: Sherwan Shahin
كاتب ومعارض كردي : روجافا سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…