سوريا بين السقوط والنهوض: مشهد متكرر في نفق مظلم

لوركا بيراني

 

عندما تتهاوى الأنظمة وتتساقط الرموز الحاكمة، يتهافت كثيرون إلى تصور الفجر الجديد. لكن الحقيقة المؤلمة غالباً ما تحمل في طياتها نقيض الأمل. ما يجري في سوريا بعد سقوط النظام البعثي يعيد للأذهان المآسي التي حلت بالعراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، حيث لم يكن سقوط الطغاة سوى بداية لكارثة أكبر: استهداف ممنهج للعلماء والمفكرين، اغتيال للشخصيات التي تشكل العمود الفقري للمجتمع، وانحدار نحو فوضى لا نهاية لها.

اليوم نشهد أخباراً موجعة عن اغتيال عالم الكيمياء العضوية الدكتور حمدي إسماعيل ندى، في مشهد مأساوي يعكس فداحة الموقف، حيث يتم اقتلاع القامات الفكرية والعلمية في زمن الحرب. هذه الاغتيالات لا تبدو أحداثاً معزولة، بل جزءاً من مشهد يكرر نفسه، حيث يتم إفراغ المجتمع من قياداته الفكرية والعلمية والدينية، مما يترك فراغاً يلتهم كل أمل بالتقدم أو الاستقرار. ومن الجدير بالذكر أن الأخبار المتداولة عن اغتيال الشيخ توفيق البوطي، نجل العلامة الراحل محمد سعيد رمضان البوطي، ما زالت غير مؤكدة، لكننا بلا شك سنشهد الكثير من هذه الأخبار تباعاً.

اليوم، من يتسلقون السلطة هم الإسلاميون الذين يحملون فكراً قديماً ومتقوقعاً، بعيداً عن روح العصر. في وقت بات فيه العالم يتجه نحو العولمة، والذكاء الصناعي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، لا يبدو أن هذه الثلة ستكون قادرة على قيادة سوريا نحو النور أو تحقيق أي شكل من أشكال الديمقراطية الحقيقية. فالمؤسسات والقيم الحديثة التي تشكل أساس التنمية والازدهار تبدو بعيدة تماماً عن اهتماماتهم وأيديولوجياتهم، مما يزيد من تعقيد الأفق السوري ويجعل التغيير أكثر صعوبة.

يبدو أننا في مستنقع لا قاع له، مرحلة من الضياع الفكري والاقتصادي والاجتماعي. سقوط الأسد لم يأت بالخلاص، بل فتح الباب لسقوط أعمق وأشمل. وما يدور اليوم من صراعات واغتيالات يهدد بسحق ما تبقى من الشعب والأمان، وبتدمير أسس الدولة التي بالكاد صمدت خلال سنوات الحرب.

نحن أمام نفق أسود طويل، كارثة مستمرة تضرب كل أمل في التغيير. في ظل هذا المشهد المظلم، السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن الخروج من هذا الانهيار؟ الإجابة ليست واضحة، لكن المؤكد أن ما ينتظر سوريا ليس مجرد تحديات بل معركة وجود قد تكون الأصعب في تاريخها.

 

10 – 12 – 2024

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…