سلام عليك يا شام

بكر عويضة

حقنُ دماء السوريين، وكف أيادي إلحاق أذى الشر بأي بشر بريء ينتمي لأي من الطوائف، هما حق لكل أبناء سوريا، التي عُرِفَ عنها تعدد أعراق أهلها، وتنوع ثقافاتهم. ذلك الحق، هو في الآن نفسه، واجبٌ معلّق في أعناق قادة مجموعات مسلحة تمكنوا، خلال زحف مفاجئ وحثيث، لم يستغرق سوى بضع ليال، وبدا كما لو أنه زلزال وقع بين طرفة عين وانتباهتها، من إطاحة نظام حزب «البعث» السوري، بعدما هَرِمَ في الحكم حتى تجاوز ستين عاماً من التشبث بالبقاء على رأس هرَم السُّلطة، بدءاً من عام 1963، فهل يثبت هؤلاء أنهم أتوا فعلاً لإقامة حكم مختلف عما أطاحوا، أم أن مقبل الأيام سوف يكشف أن الذي انقلبوا عليه بُعِث من جديد، ولو تغيّرت وجوه وأسماء؟

ثمة أكثر من مبرر لهذا التساؤل. يكفي استحضار مثال العراق، ومن بعده ليبيا، وكذلك السودان. في الحالات الثلاث، مع ملاحظة تباين أحداث البلدان الثلاثة، حصل نوع من التحسّر بين قطاع معتبر من الناس عند المقارنة بين نظام انهار فهللوا لانهياره، وأمسى جزءاً من ماضٍ تولى، وبين واقع لم يأتِ بما توقعوا، وإنما بالنقيض، خصوصاً من حيث ضياع الاستقرار، الذي هو الحجر الأساس للأمن الوطني، والعمود الفقري للسلام بين مختلف قطاعات المجتمع. ليس قصد هكذا مقارنات الاصطفاف إلى جانب طرف ضد آخر. لو سُئل الناس، في مختلف المجتمعات على وجه الأرض، أن يجيبوا عن السؤال التالي: ماذا تريد من الحياة؟ لأتى مضمون الجواب على النحو الآتي: عافية البدن، وصفاء البال، واطمئنان النفس. عندما يُقْتَلع أي من أضلاع هذا المثلث، لن يغدو ممكناً تحقيق الأمان بأي مجتمع.

الآن، وقد طوى سجل تاريخ سوريا، ومعها المنطقة ككل، زمن الحكم البعثي، بكل ما له، وما عليه، ليس واضحاً بشكل محدد، أي مستقبل ينتظر سوريا، والسوريين، وكل الإقليم. من جديد، يبرز السؤال المهم: هل يجري، على وجه التحديد، استنساخ مثال العراق، وكذلك واقع ليبيا الممزق، أم يجوز القول إن مراكز صنع القرار العالمي، ومعها القوى الأساسية في المنطقة، لن تسمح بهكذا سيناريو يفتح جبهات حروب ونزاعات جديدة داخل سوريا، الأرجح أن تمتد ألسنتها إلى دول مجاورة؟ من الطبيعي أن منطق التحليل السياسي يرجح الافتراض الثاني. لكن شبهة شك سوف تحوم حول موقف تيار اليمين المتطرف في إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو. سبب ذلك أن هذا التيار قد يرى الفرصة مواتية للإجهاز على مقومات الدولة في سوريا، وإنهاء وجود جيشها تماماً على الأرض، إلا إذا كان لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة، موقف مغاير يلجم متطرفي إسرائيل وفقاً لما يراه البيت الأبيض.

يبقى القول إن تحية «السلام عليكِ يا شام» الواردة في عنوان المقالة، موجهة أولاً إلى سوريا وأهلها، فهي وهم موضع الأنظار، لكن مضمونها الجغرافي يتسع ليضم أهل بلاد الشام الكبرى، من قطاع غزة إلى بقاع لبنان، مروراً بنهر الأردن، وضفاف دجلة والفرات. حقّاً، أما آن للسلام الحق أن ينزل في تلك الديار؟

=========

الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

المؤلف: د. سربست نبي ٢٠ آب ٢٠٢٥ الملخص ادى انهيار نظام الأسد أدى إلى تفكك سوريا، من حيث الانقسامات الداخلية، وتراجع النفوذ الإيراني والروسي، وصراعات إقليمية ودولية مع تحديات إعادة بناء الدولة والسلام. انساقت منطقة الشرق الأوسط، في القرنين الأخيرين، بشعوبها ودولها ومجتمعاتها القلقة، إلى عين عاصفة التغيير، التي دفعتها وماتزال تدفعها نحو مجهول، لا يعلم مصيرها وكنه هذا المجهول…

د. محمود عباس في لحظة ما من التاريخ، لم يعد السؤال، ماذا يفعل الإنسان؟ بل، هل لا يزال الإنسان هو الفاعل الحقيقي؟ نحن أمام حقبة لم تعد تحكمها إرادة فردية أو حتى جماعية، بل تُقاد بخوارزميات تتغذى على سلوكنا وتعيد تشكيله دون وعي منا، وهذه ليست رواية خيال علمي، إنها زمن ما بعد الإنسان، حيث لم يعد الإنسان مركزًا في…

أُعلن عن الشروط الواجب توفرها في أعضاء لجان الانتخابات الفرعية ضمن المرحلة الانتقالية، وذلك في إطار تنظيم العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وحيادها. وبحسب المادة (10) من المرسوم، فإن الشروط الأساسية للترشح تتضمن ما يلي: أن يكون المرشح سورياً بالولادة قبل تاريخ 1 أيار 2011، بما يشمل المشمولين بالمرسوم 49 لعام 2011. أن يكون مسجلاً في السجل المدني ضمن…

إبراهيم اليوسف لم يعد الكذب الإعلامي مجرد سلوك عابر في فضاءات الأنظمة الشمولية، بل أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، تُدار بعناية، وتُرفد بعقول مدربة على التضليل. وإذا كانت بعض القنوات قد تزعمت زمناً عرش الكذب، فإن أخرى جاءت لتزيحها، لا بفضيلة المهنية أو الصدق أو البديل المطلوب، بل بمزيد من خبث و براعة التزييف، حتى غدت منصة لشرعنة الحقد، وتهيئة العقول…