رسالة إلى المكتب الدعوي والفكري في حكمدارية السيد أحمد الشرع

عنايت ديكو

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها المشهد السوري، ومع التطلعات لبناء سوريا جديدة قائمة على التوازن والعدالة والمساواة، وتمثيل المكونات الحقيقية للشعب السوري من السنّة والكورد والدروز والعلويين والمسيحيين وغيرهم، يبرز سؤال مهم ومحوري:

من يحق له أن يتصدر مشهد القيادة السياسية والاجتماعية في حكمدارية البلاد؟ وهل يجوز أن تبقى هذه القيادة حبيسة النخب المدينية التقليدية الدينية الإخوانية التي غالباً ما انقطعت عن عمق المجتمع السوري الأصيل، خاصة عن الريف والبادية والعشائر التي شكّلت عبر التاريخ الركيزة الاجتماعية الأهم في بناء الهوية الوطنية السورية؟

إن غالبية أبناء الطائفة السنّية في سوريا، مثلاً، ينحدرون من بيئات ريفية وعشائرية تمتاز بالثقل الديمغرافي الهائل، والعمق الأخلاقي، والامتداد المجتمعي، كما هو الحال مع عشيرة ” الجبور ” وسواها من العشائر العربية المحترمة التي تنتشر في عموم الجغرافيا السورية، من البادية إلى الفرات، ومن الجزيرة إلى حوران.

هذه الفئات لم تكن يوماً طارئة على البلاد، بل كانت صمّام الأمان المجتمعي، ورافعة للتماسك الوطني، وقادرة على إقامة علاقات ووشائج مع مختلف القوميات والطوائف والمذاهب الأخرىٰ على امتداد التراب السوري، وعلى رأسها الشريك الكوردي.

ومع ذلك، نرى أن بعض التيارات المدينية والدينية، وتحديداً التيار العروبوي الإسلاموي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين، يسعى مجدداً لطرح نفسه كخيار قيادي ووحيد لسوريا المستقبل، متناسياً فشله المتكرر في تجارب عربية عدّة، من الجزائر إلى السودان، ومن مصر إلى تونس، ومن ليبيا إلى غزة.

لقد أثبتت هذه التجارب أن الإسلام السياسي الإخواني الإسلاموي، بصيغته الحزبية والتنظيمية التقليدية، لم يعد قادراً على التعبير عن تطلعات المجتمعات، ولا عن حاجاتها الحقيقية، بل ساهم في تأجيج الانقسامات وإضعاف فكرة الدولة الوطنية الجامعة.

في سوريا مثلاً، فإن أي محاولة لفرض هذا النموذج مرة أخرى، في ظل تعددية مذهبية وقومية دقيقة، ستكون بمثابة إعادة إنتاج الفشل، وتكرار مأساة باتت الشعوب العربية تسعى للخلاص منها. ومن اللافت أن الأردن، الجار القريب والأكثر تماساً مع المشهد السوري، قد اتخذ خطوات واضحة في تحجيم هذا التيار وملاحقته وحظره، وهذه الممارسات هي رسالة قوية لا تخلو من دلالات سياسية عميقة تجاه المنطقة بأسرها، وخصوصاً تجاه الجارة سوريا.

لذلك، فإن المرحلة القادمة تتطلب إعادة النظر في مفهوم القيادة والتمثيل، وتوسيع إطار المشاركة ليشمل الفاعلين الحقيقيين من أبناء الأرض، لا النخب المؤدلجة البيروقراطية التي كثيراً ما ربطت مصيرها بمشاريع عابرة للحدود، ومتقاطعة مع أجندات غير وطنية. إن أبناء العشائر والريف والبادية، بما يحملونه من انتماء وصدق وتجذر اجتماعي، أحق بأن يكونوا في صدارة المشهد السياسي، شريطة أن يكون هذا الصعود قائماً على مشروع وطني شامل وجامع وعقلاني، وعابر للقوميات والطوائف والمذاهب والانتماءات الضيقة.

فإما أن نحترم بعضنا في الوجود والتنوع السوري بكل أطيافه، ونؤسس لنظام سياسي تمثيلي حقيقي لا مركزي، أو أن نعيد إنتاج التجربة الفاشلة ذاتها، في نسخة لا تقل خطورة عن سابقاتها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…