أحمد خليف
إن الحديث عن المكون الكردي في مستقبل سورية ليس حديثاً عن أقلية تعيش على أطراف المشهد، بل هو حديث عن جزء أصيل من نسيج الوطن السوري، وجزء لا يتجزأ من تاريخه وحاضره ومستقبله. الكرد في سورية لم يكونوا يوماً غرباء عن هذا الوطن، بل كانوا شركاء في بناء تاريخه، وساهموا في ثقافته، وحملوا مع باقي مكوناته آلامه وآماله على مدى العقود الطويلة. تجاهل هذا المكون أو محاولة تهميشه ليس فقط ظلماً تاريخياً، بل هو أيضاً خيانة لمبدأ الثورة التي قامت لتؤسس لوطنٍ جديدٍ يتسع للجميع.
الكرد في سورية يشكلون ركناً أساسياً من أركان التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز هذا البلد. لغتهم وثقافتهم وتراثهم جزءٌ لا يتجزأ من الهوية السورية، وسورية الجديدة لا يمكن أن تقوم على إنكار هذا التنوع أو محاولة صهره في قالب واحد. الوطن لا يُبنى على الإقصاء، بل على الاعتراف بالآخر واحترام خصوصيته. من هنا، فإن الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للكرد ليس مجرد مطلبٍ قومي، بل هو ضرورة وطنية تضمن تحقيق العدالة والمساواة لكل السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم.
على مر التاريخ، تحمل الكرد في سورية كماً هائلاً من الظلم والتهميش الذي فرضه النظام الاستبدادي، تماماً كما عانت باقي مكونات الشعب السوري. لكنهم، رغم ذلك، لم ينفصلوا عن قضايا الوطن الكبرى، بل كانوا في مقدمة من ناضلوا من أجل الحرية والكرامة. هذا الالتزام بالقضية الوطنية يعكس مدى عمق انتماء الكرد لسورية، ومدى إيمانهم بأن مستقبلهم مرتبط بمستقبل هذا الوطن ككل. وفي خضم الثورة السورية، قدم الكرد تضحيات عظيمة، ووقفوا جنباً إلى جنب مع باقي السوريين في مواجهة القمع والاستبداد.
لهذا فإن بناء سورية الجديدة يتطلب صياغة دستور جديد، يقوم على المساواة والاعتراف بالحقوق المشروعة لجميع مكونات الشعب السوري و منهم الكرد. الكرد ليسوا قضية يُساوم عليها أو تُناقش كأنها ملف ثانوي، بل هم جزء من الحل، وشركاء في رسم ملامح المستقبل. سورية التي نحلم بها هي دولة المواطنة الحقيقية، حيث لا فضل لأحد على الآخر إلا بمدى التزامه بخدمة الوطن والعمل من أجل رفعته. هذه المواطنة تعني أن يكون الكرد جزءاً أساسياً من مؤسسات الدولة، وصانعي القرار فيها، دون أن يضطروا للتخلي عن هويتهم أو خصوصيتهم.
ومع ذلك، فإن الدور الكردي في بناء سورية الجديدة يتطلب من القيادات الكردية أن تكون يداً بيد مع الحكومة الجديدة، لتثبيت قواعد العدالة وبناء الدولة على أسس تشاركية تضمن حقوق الجميع دون تمييز. يجب أن يكون هناك توافق وطني قائم على التعاون والثقة المتبادلة، لتجاوز آثار الماضي وبناء مستقبل مشترك. لا يمكن للكرد أن يكونوا شركاء حقيقيين في بناء الوطن إذا استمروا في الانجرار خلف مشاريع وأجندات تفرضها قوى خارجية أو منظمات إرهابية لا تمثل الكرد ولا تاريخهم النضالي.
المنظمات الإرهابية التي تتخذ من القضية الكردية غطاءً لمصالحها وأجنداتها الضيقة لا تخدم سوى أعداء الشعب السوري بكافة مكوناته، بما في ذلك الكرد أنفسهم. الابتعاد عن هذه المنظمات والعمل على تعزيز التعاون مع باقي المكونات السورية هو الطريق الوحيد الذي يضمن للكرد مكانة مشرفة في سورية الجديدة. إن إرث الكرد وتاريخهم الغني لا يمكن أن يُلوث من قبل قلة تسعى لاستغلال اسمهم وقضيتهم لخدمة أهداف لا علاقة لها بمصلحة هذا الشعب أو هذا الوطن.
فوجود المكون الكردي في سورية ليس تحدياً، بل هو فرصة تاريخية لتأسيس نموذج وطني جديد، نموذج يقوم على احترام التعددية والتنوع. سورية الجديدة يجب أن تكون دولة لكل أبنائها، دولة تعترف بأن قوتها تأتي من تنوعها، وليس من محاولات توحيدها قسراً. من هذا المنطلق، فإن بناء الشراكة الحقيقية بين الكرد وباقي المكونات السورية هو الضامن الوحيد لاستقرار سورية وازدهارها في المستقبل.
و الحديث عن مستقبل سورية دون الحديث عن الكرد هو اختزال للمشهد وتجاهل للواقع. الكرد ليسوا فقط جزءاً من تاريخ هذا الوطن، بل هم أيضاً جزء من مستقبله. سورية لن تكون حرة وعادلة إلا إذا كانت دولة تعترف بحقوق الكرد كما تعترف بحقوق العرب وباقي المكونات، دولة تضع الجميع على قدم المساواة، وتبني مستقبلها على أسس الشراكة والاحترام المتبادل. الثورة السورية كانت ولا تزال نداءً للحرية والكرامة لكل السوريين، والكرد كانوا جزءاً من هذا النداء وسيظلون جزءاً من هذا الوطن، مهما حاولت الأيديولوجيات المريضة أن تفرق بينهم وبين إخوانهم في الوطن. هذه الحقيقة هي ما يجب أن يبنى عليه مستقبل سورية، لأنها الطريق الوحيد نحو العدالة والسلام.