حوار عابر ” إضاءة لـ مقال: حوار مهم يستحق المتابعة” للدكتور محمود عباس

إبراهيم محمود

 

بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير،  ومع الشكر هذا، أعتذر له ولقرائنا ” أهل القراءة القراءة ” عن تأخيري في كلمة الإضاءة هذه، لأمور خاصة بي، وأنا في دهوك، ولعل جانباً مهماً مما يخص هذا التأخير، وعدم قراءتي لمقال باحثنا، إلا حديثاً” اليوم صباحاً “، له صلة مباشرة بوضع المثقف عموماً، والكردي على وجه الخصوص، والإحباط الذي يتنامى بين جنبيه، جرّاء التهميش المضطرد الذي يتعرض له، عموماً، إذا كان ينطلق من الموقع الذي يليق به، وبدوره، كما هو معروف تاريخياً، وبين بني جلدته الكرد، خصوصاً،، ومن خلال وعيي المحيطي والحياتي هنا. وأشدد على مقولة لازمتني، ولازالت، وهي تتعاظم” من يحاول الكتابة بلغة المثقف الذي يعيش مجتمعه الإنساني والكردي، وبعيداً عن التظلل بأي طرف، سيدرك ماذا يعني أن تكون مثقفاً، وكيف يتم التعامل معك، وأنت بين، أمام، وجوار من يعتبرون أنفسهم أهل الحل والعقد، وفي عالم الميديا الكونية، وبعين الريبة ينظرون إليك، ليكون التهميش مدروساً،، وليكون إجراء التهميش دالاً، على أن مجتمعنا ” هذا يلزمه الكثير ليكتسب صفته الفعلية”.

ما أفصح عنه باحثنا الدكتور عباس، في مقال موجز، ومكثف، ربما كان ” خير الكلام ما قل ودل” حاضراً في بنية المقال هذا، وهذا موصول بمعاناة من يريد البقاء مثقفاً يرى الجهات مفتوحة أمام بصره وبصيرته .وملاحظته حول حضور البعد السياسي اللافت في النقاش ضمن برنامج ” وجوه ” وما يخصني، في محلها.

لعل المؤلم في أحاديثنا، هو أن ما نعاني منه سياسياً، يطاردنا، أو يسكننا، ويشكل خميرة ” تتسلل إلى عجينتنا الفكرية أو الثقافية، ومجالسنا العادية هنا وهناك يومياً، بوعي أو بدونه، جرّاء طغيان السياسي هذا.. وليته احتفظ  السياسي المتداول باسمه، بمسماه، في نسبة معتبَرة منه. كيف يشخَّص هذا اللون ” من السياسة ” في المعتبَر مجتمعاً، والتنوع المطلوبأ ليحقق نصاب مفهومه، وقد شهد ويشهد انقسامات كارثية، تزيد نار التخاصم ضراماً، في وقت من المفترض أن يخف أواره وسعاره؟ وكأن الذهاب إلى هذا البعد، أو استدعاءه، من وطأة محتواه، وحصاده المرير داخلنا، وحولنا، وما يلاحظ هو مدى الإجهاز على مفردة ” المثقف ” عن عمد، ممن يتكلمون من خلال ” سبّابتهم ” وما أكثرهم، وما في ذلك من خوف مما هو محمّل في هذه المفردة، ما يمكن للمفردة هذه ” المثقف ” أن تجسّده من تنوير للمجتمع، وفي ضوء انتشار تقنيات التواصل الحديثة، بأصنافها ، وما يُبث من خلالها، جهة هذا الجانب، وهذا التجاهل المريع لكل ذلك.

في العودة إلى الحلقة التفلزيونية ” الثقافية ” أكد كاتبنا الكردي دوست، أنه لو كان في الإمكان، لخصص حلقات عدة معي، سعياً إلى تناول النقاط المختلفة والرئيسة في اهتماماتي الفكرية وكتاباتي المتنوعة، ولا أخفي تحفظي على الموضوع عموماً، أي جهة ما يمكن أن يقال بلسان مثقف، في قنواتنا التي تسعى جاهدة إلى أن يمضي أحدنا أو أي منا مثقفاً، أو مفكراً، أو ناقداً إلى أي منها” وفي النقطة هذه تؤكد وحدتها الكردية اللماحة مجتمعة ! “، ويستخدم هذا المثقف لساناً يطيب للمعتبر سياسياً الإصغاء إليه، أو بما يوحي بذلك . إن هذه السُّمنة السياسية التي أثقلت على جسمها الكردي المحوري ورهَّلته وهلهلته، أفقدته سلامة الحواس، وسوية الحضور في العالم، كما تشهد الأحداث وسريان فعلها العنيف في شريان هذا الجسم، وتجلطاته، ووهن روحه .

عالم اليوم، في المجتمعات المفتوحة، مفتوح بالفرضيات، بما هو نسبي، فيكون الابتكار، والإبداع، والمزيد من مكاشفة الذات، والحياة المحفّزة على التفكير، وتسمية المشكلة أنى كان موضعها، أو المعني بها كما هي.

كردياً، حيث يتنامى تفككه، ازدياد بؤسه المجتمعي، قنوطه المجتمعي، تذمره النفسي، نكوصه إلى الداخل، مقابل تصاعد نبرة الشعارات، الهتافات، الخطابات التعبوية، أي المطلقيات في الأحكام، وفي مجتمع كهذا، كيف يُسمَع صوت المثقف؟ كيف يُنظَر إلى المثقف، إزاء من في آذانهم وقْر؟ أعلنها هنا كما أعلنتها مراراً، أن الطريد الأكبر والمحمّل بالشبهات، كردياً، هو هذا المثقف الذي أعنيه، وليس ما يروَج باسمه، إمعاناً في تشويه صورته الفعلية.

لعل ما دفع بي إلى اهتمامات أخرى، دون إقصاء الكردي فيها، هو هذا الجنوح في المسار، هذا التصعيد بخلبيات القول، في مناسبات، وفي برامج مختلفة، ولا أكثر منها إعلامياً، وباسم الثقافة” الجادة “، ولازلنا نربط القصور بأ” الخارج “، ونتعامى، أو نتفادى إطلاق قول كهذا: تُرى، إلى أي مدى ، كان أكثر هؤلاء الذي يزعمون تمثيل الكردي تحزبياً أو في ظل التحزبية، ومن الذين يتكاثرون طحلبياً، جعلوا الهم الكردي، بمفهومه القومي نصب أعينهم السليمة نظراً ؟

ها قد أمضيت عمراً طويلاً، وأشعرُني أزداد اغتراباً، وشعوراً باليأس، وداخلي حسرة، كغيري، تكبر، وتشدني إليها. لا أريد مؤاساة من أحد، لأن لكل منا حساباته جهة ” الحسرة ” هذه، والثمن المدفوع سلفاً عنها. حسبي أن أقول هنا، بصريح العبارة، ما يثير حفيظة السياسي؟ ومن يتحرك في ركابه ” ثقافياً “، ليحيل قولي هذا ” لبّاناً ” في فمه، كما هو عهدي الطويل الطويل به، وحتى الآن: نعم، أنا كردي، ولم أشك يوماً في كرديتي، إنما شكي هذا يزداد مع الوقت، في الذي يخص كرديتي، وهو، أي إنسان أكون، في عالم اليوم، من خلال كرديتي هذه؟ هوذا السؤال الذي يبقيني دائم البحث عن هذا ” العدو ” الذي يسكنني، كما سكن السابقين قبلي، وربما سيسكن تالين علي، وهو يتقن لغات عدة، والكردية منها ضمناً، ومعاودة تحرّي أثره ونشأته، سؤال: أين العدو …

لهذا، لهذا، كان الذي جرى في الحوار عابراً، كما هو المسمّى بالمثقف العابر بدوره، كما هي معطيات واقعه؟؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…