إبراهيم اليوسف
لطالما كان الكرد جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري، حيث ساهموا بفعالية في مختلف مفاصل الدولة منذ تأسيسها، فقد تقلد العديد منهم مناصب رفيعة، بما في ذلك الرئاسة، ورئاسة الحكومة، الوزارات، رئاسة الأركان التي كان أول من تولاها كردي، حتى صعود التيارات القوموية العروبوية الناصرية والبعثية، التي سعت إلى تهميش الكرد وتذويب هويتهم. ورغم ظروف القمع، لم يتوانَ الكرد عن المشاركة في بناء الوطن والدفاع عنه، يدفعون ضريبتهم تحت ظل آلة التمييز العنصري والقمع من جهة، ويقبلون- من جهة أخرى- على أداء مهمتهم الوطنية الكبرى، في محطات تاريخ سوريا جميعها، من دون أي استثناء، ليتأكد لجميع أحرار سوريا – الأحرار النبلاء الحقيقيين – مدى نبل ووفاء شريكهم الكردي، لا سيما في ظل سنوات الحرب التي دامت أربع عشرة سنة، تم الاستعداء خلالها عليهم بأعلى الدرجات، نتيجة هيمنة الفكر العنصري الإقصائي
في تحول لافت يُسجل للحكومة الجديدة في دمشق، السماح برفع العلم الكردي في احتفالات النوروز هذا العام 2025 في عفرين ودمشق، إلى جانب العلم السوري الجديد، علم إبراهيم هنانو وأترابه. هذا الاعتراف بحق الكرد يُعد خطوة إيجابية، خاصة مقارنة بالحكومات الدكتاتورية العنصرية السابقة التي مارست سياسات القمع والتنكيل، من سجن وتعذيب ومنع للاحتفال بالنوروز، وصولًا إلى اتهام الكرد بالخيانة من قبل أصوات عنصرية، لازال بعضهم يصدح بها، بلا خجل، انطلاقاً من سرديات كاذبة، تجعل ابن البيت في موقع الضيف عليه، نتيجة انتشار وهيمنة الوعي الزائف.
ومع ذلك، يجب التأكيد أن منح الحقوق الشرعية ليس منّة، بل هو استحقاق. ورغم التصريح الشفهي اليتيم من قبل السيد أحمد الشرع، رداً على سؤال تطميني طرحه الإعلامي عمر الشيخ إبراهيم، إلا أن هذا التصريح لم يتكرر، ولم يترجم في أكثر من محطة فيما سمي: مؤتمر محافظة الحسكة للحوار، أوما سمي المؤتمر الحواري العام، أو ما سميت اللجنة التحضيرية للدستور، أو التشكيلات” الحكومية”، إلخ. كما أن بعض الشخصيات الكردية، مثل ابن قامشلي: أسعد الشيباني، والذي يُتوسم فيه تقديم الكثير لأهله السوريين عامة، والكرد خاصة، باعتباره منهم، وتربى في كنفهم كابن أسرة- كردستانية- مقدرة، كردستانية لأنها تنحدر من إستيل في كردستان الشمالية، عندما غرد بالكردية قبل شهرين، ولقيت تغريدته أصداء وآمالاً تم التعويل عليها، شعبوياً، إلا أنه لم تصدر منهما أية تهنئة رسمية بمناسبة النوروز.
لقد كان هناك تفاؤل من قبل بعض الكرد وأصدقائهم، مثلما فعل صديقي الكاتب عامر هلوش السالم، ابن قامشلي، زميل دراستي وابن إحدى القبائل العربية، إذ تمنى أن يفاجئ الشرع جميع السوريين والعالم بمشاركته في النوروز وإيقاد النار. لكن قد تكون هناك موانع، ربما تتعلق بقناعاته الدينية تجاه النار. ومع ذلك، كان من الممكن إصدار مرسوم يجعل هذا اليوم عيدًا رسميًا، وهو ما قد يحدث في المستقبل.
حتى الآن، لا يوجد ما يدعو للتفاؤل الكبير. ربما هناك ضغوط خارجية، من بلد إقليمي مثل تركيا، أو من قبل فلول البعث الذين ظهروا كالفطر سواء أكان مجيئهم عبر ممر الثورة التي انخرط فيها بعضهم- سهواً- ليتحولوا لدعم الشرع، وكانوا سيدعمون غيره، لو أسند إليه حكم دمشق، لا يهمهم: إلا الصعود والمكاسب المرجوة وممارسة السلطة الصغيرة باسم السلطة الأعظم، تمنع ذلك..ويجب التنويه إلى أن اعتماد الشرع على شخصيات ذات أصول كردية- نسباً- في المؤتمرات أو الحقائب الوزارية لا يعني بالضرورة انفتاحًا حقيقيًا. فهناك شخصيات في تركيا وسوريا وإيران والعراق من أصول كردية، لكنها تبنت سياسات هدفت و تهدف إلى إقصاء قوميتها. لذلك، يجب أن يكون ممثلو الكرد من اختيار الشعب الكردي نفسه.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول مدى جدية الحكومة الجديدة في الاعتراف الكامل بحقوق الكرد وضمان تمثيلهم الحقيقي في مؤسسات الدولة، بعيدًا عن السياسات الشكلية والتعيينات الرمزية.
الكرد شعب أصيل في منطقته، رغم سقوط كل محاولات الفصل بينه وجذوره، فوق ترابه، ولابد من أن يحصل على حقه لذلك فإن هذا الشعب لا يفتأ يستمر في المطالبة السلمية بحقه، مواجهاً كل أساليب المحو التي لم ولن تجدي فها نجد أنه بعد مئة سنة من الإنكار للكرد، أن السيد أردوغان، الذي يهرول في الجهات كلها لتحطيم أي حلم كردي، يظهر هذا العام في استنبول ومع حضور تركي صرف وهو يوقد شعلة نوروز ليصرح أخيراً: إنه سيقترح أن يكون يوم النوروز عطلة في تركيا وعيدًا” للربيع والتآخي، أي أنه يريد تتريك النوروز، أو تمييعه كما فعل حافظ الأسد عام 1986 عندما سمى هذا اليوم عيد الأم بعد فضيحة أو جريمة حرسه الذي قتل الشاب سلمان آدي، الذي كان مع المتظاهرين الذين توجهوا لقصره بعد منع الأمن والشرطة في دمشق خروج الباصات والمحتفلين إلى خارج دمشق للاحتفال بالنوروز في” أحضان الطبيعة.