د. إسماعيل مظهر أحمد:
الترجمة عن الكردية: إبراهيم محمود
ثورة أرارات” 1927-1931 ” التي تُعرَف في كردستان تركيا كثيراً بثورة أرارات وجبل آكَري، ثورة لها مكانة في التاريخ المعاصر للشعب الكردي، حيث إن جمعية معتبَرة مثل ” خويبون ” ومثقفين شجعاناً مثل الجنرال إحسان نوري باشا ” 1 ” كانت تديرها.
هذه النقطة بمفردها شكَّلت تغييراً في نطاق النضال التحرري الكردي في تركيا.
حتى الآن لم يُكتَب ما هو لافت، بصدد هذه الثورة ” 2 ” .
وبقدّر ما نحاول تعقّب خيوط الأحداث، وبوعي، والعثور على مصادر أصلية ذات صلة، حينها نستطيع وضْع مؤلفات كاملة حولها.
وحسب معرفتي، فإن هناك مئات الوثائق السرّية البريطانية مليئة بالمعلومات الموثقة والقيّمة حول هذه الثورة، إضافة إلى أنه جرى ذكر أسمائها على صفحات الجرائد العربية والإنكليزية، والمؤكد أنه وفي المستوى ذاته، ثمة احتمال أكثر من ذلك، أن السوفيت والفرنسيين قد أكَّدوا أهميتها الكبرى .
كثيرة هي وقائع ثورة أرارات، ثورة كرد تركيا، والثورة الكبرى للشيخ السعيد التي اغرقتهم في بحيرة من الدماء، على أيدي الكماليين، هي بذاتها ملحمة تاريخية، وملؤها الفخار، لأنه لم يكن هناك أحد محل انتظار، إلا بعد خمس سنوات من تلك الطعنة القاتلة للأتراك ضد الكرد، ومرة أخرى تقوم في كردستان تركيا ثورة كهذه، واسعة النطاق وأكثر تنظيماً من ثورة سنة 1925.
إن إحدى الصفحات الضائعة، تتمثل ما يخص دور حاجو آغا هفيركي في تلك الثورة، حيث إن الإنكليز تحدثوا عن الدور الفاعل لحاجو آغا في تقاريرهم السرّية عشرات المرّات، وحيث إننا نحن الكرد حتى الآن لا نعرف شيئاً يُذكر في هذا المجال، إلى درجة أن أن واحداً من تلك الملفّات لوزارة الحربية الإنكليزية، جاء على ذكر اسمه وأسماء أبنائه، وعشيرته هفيركا قرابة خمسين مرة ” 3 “
حاجو آغا ثائر معروف من عشيرة هفيركا، وتقال لها أحياناً هويركا. إنها إحدى عشائر منطقة طور عابدين في كردستان تركيا، وكان حاجو آغا وقسم كبير من أعضاء عشيرته، قد اضطروا للتوجه إلى سوريا، حيث استقروا في منطقة ” تربه سبي ” التابعة لمنطقة قامشلو.
في سنوات شبابه، انضم إلى الحركة الكردية، وهو أحد مؤسسي جمعية خويبون، وأصبح لاحقاً أحد نشطائها الأكثر إخلاصاً لها، حيث كان معه أبناؤه وأهله في خدمتها، وما رافق ذلك من أعمال مؤثرة تشير إليها في هذا الصدد.
حاجو آغا هو الاسم الثالث في قائمة ثمانية أعضاء مؤسسي تلك الجمعية ” خويبون ” وقد اتفقوا مع فاهان بابازيان ممثل التنظيم الأرمني المشهور ” طاشناق “( طاشناق، تعني بالأرمنية: الاتحاد. المترجم ).
وهاهم أولئك الذين وردت أسماؤهم في الوثائق الفرنسية، ونأتي على ذكرها كما هي في ترتيبها هناك:
شيخ علي رضا أفندي بالو، مصطفى بك برازي، حاجو آغا هفيركي، أمين آغا زعيم عشائر رما Reman
، كريم رستم من السليمانية، ممدوح سليم ، جلادت عالي بدرخان، والدكتور شكر صكبان ” 4 ” .
كان حاجو محل تقدير واحترام لافتين من جهة الوطنيين الكرد، في ذلك الوقت، إلى جانب عرب منطقة قامشلو. لقد كان وجلادت بدرخان كأنهما أخَوان ” 5 “، حيث تردد أنه كان امرئاً كريماً سموحاً، وكان بيته مفتوحاً لكل من يقصده .
لقد اهتم حاجو آغا هفيركي بثورة أرارات، حيث كان منذ بدايتها مهتماً بها ومشدوداً إليها. أي كان ذلك حوالي سنة 1927، عندما خطط الوطنيون الكرد في الشمال، لانطلاقة الثورة في المنطقة الأكثر صعوبة في كردستان تركيا مع حرب البيشمركة، وهناك تقرير انكليزي قبل نهاية سنة 1929، تحدثَ عن حركة ثمانين مجموعة بيشمركية في منظقة جزيرى وشرنخ وحدها.
وكان اسم حاجو آغا هفيركي، وارداً في مستهل تلك الوثيقة، ورسول محمد آغا زعيم عشيرة جيلان، وحيث كان لهما دور كبير في تنظيم هذه المجموعات البيشمركية في كل من جزيرى وشرنخ” 6 “
وجدير بالقول أن جميع الوثائق الإنكليزية ضمن هذا الملف، كانت تأتي باسم كردستان روجآفا، على تلك المناطق في كردستان تركيا .
وقد بلغت ثورة أرارات الأوج حتى سنة 1930، حيث إن الثوار الكرد وضعوا أيديهم على مساحة واسعة، وجعلوا من جبل أرارات الحصين معقلاً لهم، وهناك رفعوا رايتهم، ونشروا صحيفة أرارات، وحينها كان حاجو آغا هفيركي يتفرغ كلياً لخدمة أرارات، وكَم ساعد، وعن قرب، البدرخانيين، وأبناء جميل باشا، وأبناء إبراهيم باشا الملّي، ورسول آغا جيلان، وباشر بتنظيم اجتماع معه وأعضاء آخرين من كرد سوريا، وبعض الضباط الكرد الذين فروا من الجيش التركي، في منطقة الحسكة، بداية سنة 1930، ووضع مخططاً لمساعدة ثوار أرارات، وقد جاء اسم حاجو آغا هفيركي في السطر الأول في القائمة الخاصة، وقد تحدث الإنكليز عن ذلك الاجتماع ” 7 “
وقبل أيّ كان، وبعيداً عن الخوف والتردد، انخرط في عملية تنفيذ قرارات ذلك الاجتماع، وكل التعليمات والبنود الأخرى، والخاصة بخويبون، وهو يضع يضع حياته وأبناءه وماله وكل ما يملك في خدمة أرارات،، ويقيم صِلات ٍ مع نشطاء كرد آخرين ومعروفين، عبْر رسائل خاصة يطلب منهم الدعمَ لثوار أرارات، أو لا يصبحوا عائقاً أمامها .
والانكليز يأتون على ذكر تلك الرسائل في تقاريرهم الخاصة، وذلك في بحثها الثاني من الرسائل تلك، والرسالة الأولى وجّهت إلى جنوب كردستان باسم الشيخ أحمد، والأخرى إلى شمال كردستان، باسم آغا مدياد ” 8 ” .
ولم يقتصر عمله على تلك الرسائل فقط. ففي ليلة 7 شباط 1930، يعبر الحدود ومعه ثلاثة من أبنائه: حسن، جاجان، وجميل، مع 50 من الخيالة، و200 من المشاة الهفيركيين ” 9 ” و100 مسلحين من عشيرة جيلان، بزعامة رسول آغا، حيث عبور الحدود ما بين سوريا وتركيا يتم في منطقة أزنيرى Eznêrê، ومن هناك يعبر إلى جبل طور ويجتمع مع سرحان آغا آميدي ” 10 ” ، ليعود ثانية إلى أرض سوريا ” 11″ .
أنشطة حاجو آغا هفيركي هذه، بثَّت الرعب في نفوس ساسة تركيا، فما كان منهم إلا أن طلبوا المساعدة من الفرنسيين، حيث كانت سوريا محتلة من قبلهم، وذلك بوقف تلك الأنشطة، فتتم الاستجابة لهم، وهم يقومون بإبعاد حاجو وجماعة من الوطنيين الكرد في سوريا، عن الحدود، وبداية يبعدونه هو وأبناءه إلى بيروت، وأما أصحابه فيجري إبعادهم إلى دير الزور والشام، ويلجأون إلى إسكات حركة أعضاء عشيرة الملّي ممن كانوا على الحدود وتوقيفها.ووحده نايف آغا من عائلة حاجو يبقى داخل الثورة، وكان ذلك في كانون الأول 1930، ويقع أسيراً في أيدي الأتراك، فيعدمونه في ديار بكر ” 12 “
حقيقةً، إن الذي تحدثنا عنه في هذا المقال، يمثّا فقط، قسماً من دور حاجو آغا هفيركي، في ثورة أرارات، وأملي أن يعثر المؤرخون الكرد على الصفحات الضائعة الأخرى، والخاصة بتاريخ النضال المثمر لوطنيينا. إن ثورة أرارات بدورها، مثل جميع الثورات الكردية الأخرى، لم تبلغ حدود الاستقلال. لقد كان الأتراك يرددون أن للانكليز يداً في أرارات، وأنهم يريدون ولو بالقهر أخْذ الذائع الصيت لورنس من العرب” لورنس العرب ” ليجعلوه ” لورنس الكرد ” ضد الأتراك، في الوقت الذي يُعرَف عن أن لورنس هذا في حياته كلها لم تطأ قدماه أرض كردستان، إذ إنه إبان هذه الثورة كان في أفغانستان .
في بداية الوثائق الخاصة، يجري الحديث عن تلك النقطة، وهي أن الفرنسيين حرضوا حاجة ضد الأتراك، إلى أن ظهر في النتيجة أن الجاري هو عكس تلك التصورات تماماً، حيث إن الفرنسيين هؤلاء، لم يسمحوا لحاجو وأصحابه في أن يقوموا بدورهم في ثورة أرارات، وقد أعدُّوا لها عدتهم, وفي هذا الجانب لم يكن دور الفرنسيين ومساعدتهم للأتراك، في إخماد ثورة أرارات بأقل من دور الروس، وكيف أنهم في الغرب سدوا الطريق إلى أرمينا أمام الكرد، وهكذا هم في الجنوب، قد سدوا طريق سوريا أمامهم.
وجدير بالقول أن الفرنسيين رغم تقديرهم لحاجو، إنما كانوا في قرارة أنفسهم لا يحبونه، بسبب أنه قبل سنوات عدة، من بدء ثورة أرارات كان قد قتل بعض الفرنسيين ” 13 “
على كل حال، إن فشل خطة حاجة آغا هفيركي، ومن معه، لمساعدة أرارات، يندرج في نطاق تلك الأسباب التي ساعدت الكماليين الأتراك، في أن يتغلبوا على الكرد، ويخمدوا ثورة أرارات كذلك. خصوصاً، بسبب أن حاجو آغا وأصحابه أرادوا أن يضيقوا الخناق على الأتراك من جهة الغرب، بالطريقة التي يجبرونهم على تخفيف هجماتهم على أرارات، والتي مارست ضغطها من الشرق على قوات الجنرال إحسان نوري باشا، ومؤكدٌ أن نشاطات حاجو آغا هفيركي وكرد آخرين خارج تركيا، تمثل وثيقة أخرى للتاريخ الكردي المعاصر.
مصادر وإشارات
1-ولِد إحسان نوري باشا سنة 1893، في مدينة بدليس، من عائلة ” الشجعان الكرد ” وفي سنة 1920، أنهى الدورة في المدرسة العسكرية في ستانبول، وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، أعدَّ نفسه للكردية، وبعدها أمضى ” 46 ” سنة في الخارج، وفي سنة 1976 كان رحيله النهائي. وبصدد مختصر حياته، ينظر: إحسان نوري باشا، الثورة القومية الكردية في تركيا، ترجمة: م. جميل روزبياني، بغداد 1993، صص 4-8 .
2- مجموعة من الكتّاب الكرد والأجانب أمثال نوري ديرسيمي، حسرتيان، وسافراستيان، توقفوا جميعاً على جوانب عدة من ثورة أرارات، سوى أن دراسة تلك الثورة، ومثل الكثير من الثورات والحركات الكردية لا زالت تحتاج إلى الكثير من الجهود .
3- مكتب السجلات العامة، 23، / 243، 5 ، ج 4، ×/ 88/ 4583 .
4-الجنتي، الشهيد الدكتور صادق شرف كندي، السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران،في آذار 1987، أعلمني هكذا حول ذلك الملف الذي أرسله إلي.
5-صورة حاجو آغا التي نشرتها في هذه المقالة، أخذتها من الألبوم الخاص للسيدة سينم خان جلادت بدرخان .
6-ملف 23، / 243، 5 ، ج 4، ×/ 88/ 4583 . مكتب السجلات العام، الموصل، ع : 49/ م/ تاريخ 7-12-2020، غرب كردستان، عصابة قطاع الطرق في منطقة جزيرى وشرنخ .
7- نفسه.
8- نفسه.
9- قسم من التقارير، ذكر أعداد أولئك الذين كانوا مع حاجو: 200 شخصاً وليس 250،وكان عبورهم للحدود في و3 أيار وليس 7 أيار.
10-قسم من التقارير يذكر سوران آغا وسوران بك .
11- التاريخ في 23/ 243، ×/ م/ 458، سري، س س و. الموصل، المرجع: ي م/ 138، التاريخ 11 آب، و9 أيلول 1930، والموضوع: وضع الكرد في كردستان الغربية.
12- المصدر نفسه، الترجمة، 24/449، التاريخ 31-8- 1930، قائمقام تلعفر، الموضوع: حدود سوريا، مقتطف من س س و، الموصل، تقرير عدد 1-م- 15 و17-1-1931 .
13-المصدر نفسه، سري، المرجع 1-م، 13- س س و، الموصل 24 آب 1930، وضع الكرد في كردستان الغربية .
-*Dr: Kelal Mezher Ahmed: Haco Axa yê Heverkî ,serbazekî bênave yê serhildana Agirî
توضيح من المترجم: حاولت نقل مقال البروفيسور والدكتور والمؤرخ الكردي الكبير والراحل كمال مظهر أحمد ” 1837-2021 ” آنف الذكْر عن الكردية إلى العربية، وهو قابل للنقاش، حول المعلومات فيها، جهة علاقة حاجو آغا هفيركي ونشاطاته المختلفة، وفي نطاق ثورة أرارات الكردية هنا، لأن كل وثيقة ذات صلة بمؤسسة استعمارية، ويكون جل الذين ينشغلون بها دائرين في فلكها، فلا بد أن يكون لتوجهاتها وتعليماتها الطابع الأوامري، تجسيداً لسياساتها في الهيمنة ، وعدم السماح بظهور معلومات تضر بسمعتها، ولبريطانيا الدور الكبير في الاتفاقية المشئومة للكرد خصوصاً ” سايكس- بيكو، 1916 ” إلى جانب فرنسا، فكيف يُسمح لانتشار ما يسيء إلى مكانة هذه وتلك. وهي التي تحتل العراق، كما هو معروف، وبالتالي، فمن المنطقي أن فرنسا ، محتلة سوريا، تمتلك معلومات أكثر، ووثائق أكثر بالتالي في هذا الشأن، كما تناولت جانباً من هذا الموضوع في كتابي” دولة حاجو آغا الكردية ” سوى أن الحقيقة الوحيدة التي يستحيل الطعن فيها، أن حاجو شخصية تاريخية من لحم ودم، ولها واقعها الملموس، وأن ورود اسم حاجو بمثل هذه الكثافة في أرشيفات دول المنطقة وأبعد ” روسيا وألمانيا وغيرهما” إلى جانب بريطانيا وفرنسا ،ودول المنطقة تركيا والعراق وسوريا وإيران نفسها، لا يعني كيل المديح له، أو الاحتفاء به، أو أن الإتيان على ذكر اسمه عابراً تاريخياً ليس إلا، فالأحداث والوقائع، تشكل تاريخاً لا يُشك في أمره، كما الحال هنا، وأن مؤرخاً وباحثاً مرموقاً يقبل على كتابة مقال كهذا، وليس من ” صلة قرابة ” بينه وبين حاجو آغا هفيركي، كما يكرر ذلك للتأكيد على ما يستحق تسمية ولقباً، وتعزيزاً لمكانة تاريخية، وثمة كثيرون من ” كرده ” في المنطقة التي عاش فيها ” روجآفا كردستان ” لازالوا يمارسون دور النعامة في دفْن هاماتهم في رمال تاريخ على مقاسهم، وللأسف الشديد، وفي الوقت الذي لا يدخر خصوم ” قضيتهم التحررية الكردية ” جهداً إلى تاريخهم معاً، وحاجو في الواجهة، وفي الوقت الذي يمكنني اعتبار تاريخ الجزيرة العليا” روجآفا كردستان هنا ” كان تاريخاً حاجوياً بأكثر من معنى في هذا المسار التحرري القومي الكردي والمعاصر..