صلاح بدرالدين
التجربة الوطنية
عندما تراجعت الثورة السورية ، وتوزعت الولاءات الإقليمية لفصائل ومكونات المعارضة ، وظهرت بوادر الردات المضادة ، وانتشر الفساد والمحسوبية بين الأوساط المسؤولة عن تنظيمات وهيئات المعارضة ، خصوصا في صفوف قيادات ( المجلس الوطني السوري ) ثم ( الائتلاف ) ، تنادى العديد من الوطنيين الحريصين على الثورة ، من اجل الإصلاح ، وصيانة اهداف الشعب السوري ، والحفاظ على الإنجازات التي تحققت بدماء السوريين وتضحياتهم ، وطرح البعض فكرة عقد ( مؤتمر وطني ) وكنا نحن الوطنييون الكرد السورييون في حراك ” بزاف ” اول طرف سوري يقدم مشروعا متكاملا بهذا الصدد عام ” ٢٠١٣ ” مع تحديد الآليات ، والقواعد الديموقراطية ، مرفقا باقتراح تشكيل لجنة تحضيرية تسبق عقد المؤتمر ، وتقوم بالاعداد ، والاشراف ، ودعوة المندوبين ، وصياغة البرامج ، على ان تتشكل تلك اللجنة من ممثلي مختلف المكونات ، والتيارات السياسية المعارضة لنظام الاستبداد ، وبعد ان قمنا بإبلاغ جميع الذين استطعنا التواصل معهم شفويا ، وكتابيا ، لم يتجاوب الا القليل ، بل ان مسؤولي ( المجلس الوطني ) ومن بعده ( الائتلاف ) اتخذوا موقفا عدائيا من هذا المشروع الرائد والجاد الذي دعا الى المراجعة ، والمحاسبة ، بآليات ديموقراطية ، وعقد مؤتمر وطني لاستعادة شرعية المعارضة ، وإعادة بناء الثورة من جديد .
بعد ذلك وخلال الأعوام الأخيرة ظهرت عدة محاولات تحت عنوان ( المؤتمر الوطني ) من مجموعات معارضة وتيارات سياسية بالخارج ولكن للأسف الشديد لم تكن جادة ، ولم تلتزم بالقواعد ، والشروط المطلوبة للنجاح ، حيث تقوم المجموعة الداعية بتشكيل اللجنة التحضيرية من أعضائها ودون تشاور مع احد او اشراك الاخرين باللجنة ، وتضع برنامج الاجتماع ثم ترسل دعوات للاخرين للحضور مما خلق كل ذلك ردود فعل عكسية ، وعدم استجابة للمشاركة ، وبالتالي فشل عقد المؤتمر الوطني المنشود .
التجربة في الحالة الكردية الخاصة
في تجربتنا بالحالة الكردية الخاصة ، طرحنا نفس المشروع مبكرا وبنفس توقيت مشروعنا الوطني السالف الذكر ، ولأول مرة في ساحتنا تحت عنوان ( المؤتمر الكردي السوري الجامع ) ، على ان تتشكل لجنة تحضيرية من غالبية من الوطنيين الكرد المستقلين ومشاركة أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – الاتحاد الديموقراطي ، والمجلس الوطني الكردي بحيث تكون نسبة مشاركتهم لاتصل حدود ( الثلث المعطل ) وذلك لفقدان الثقة من ممارسات الأحزاب ونواياهم ، وخلال الأعوام الثمانية الأخيرة وبالرغم من كل المبادرات ، والمحاولات من جانبنا ، وكذلك الوساطة الكريمة من جانب الاشقاء في إقليم كردستان العراق وفي المقدمة الأخ الرئيس مسعود بارزاني منذ عام ٢٠١٥ وحتى الان والذي نادى وينادي على الدوام باتفاق جميع الأطراف الكردية السورية ، لم يستجب الطرفان حتى هذه اللحظة ، بل ان كل طرف بدأ يستخدم السبل المضللة حتى تجد اعذارا للمقاطعة ، حيث بدأ كل طرف بالدعوة الى عقد مؤتمر كردي باسمه وعلى حسابه ، وبلجنة تحضيرية حزبية وبمن يحضر ، وبذلك استطاعت أحزاب الطرفين تعطيل كل المساعي الخيرة والديموقراطية والشفافة وفي هذه الظروف الدقيقة والخطيرة بالذات ، من اجل تلبية إرادة الغالبية الشعبية الساحقة بإعادة بناء الحركة السياسية الكردية على أسس سليمة ، واستعادة شرعيتها ، وصياغة المشروع الكردي للسلام ، والقيام بدورها الوطني في المشاركة ببناء مؤسسات الدولة السورية في العهد الجديد ، وإزالة آثار النظام الاستبدادي المنهار ، والتعاون مع الإدارة الانتقالية في معالجة القضايا المختلفة ومن ضمنها القضية الكردية .
التجربة الراهنة مابعد الاستبداد
لاتختلف المحاولة الأخيرة في دمشق من جانب الاخوة في القيادة الانتقالية عن سابقتها ، من حيث المبدأ على صعيد قواعد عقد ( مؤتمر الحوار الوطني ) وتشكيل ( اللجنة التحضيرية ) ، مع الاخذ بعين الاعتبار الفرق بين ( المؤتمر الوطني ) المنشود في ظل نظام الاستبداد والذي كان له طابع آخر ، ووظيفة مختلفة ، فلو قيض له النجاح لكان يقوم بدور قيادي تشريعي ثوري بمثابة مرجعية نضالية ، وقيادة ثورية ، اما ( مؤتمر الحوار ) المزمع عقده الان بعد التحرير فوظيفته استشارية فقط ، لذلك لم تجد القيادة الانتقالية التي تعتبر نفسها – شرعية ثورية – ضرورة ان تكون ( اللجنة التحضيرية ) المشكلة من خمسة اشخاص تمثل جميع المكونات السورية ، بل الأهم بنظرها نوعية المشاركة في المؤتمر المنشود ، ولكن كل ذلك لايعفي المحاولة من الثغرات من جهة القواعد الديموقراطية ، والآليات ، والتمثيل خصوصا مايتعلق بالتمثيل الكردي .
وهنا يمكن استنتاج حقيقة مرة باخفاق السوريين منذ بداية الثورة المغدورة ربيع ٢٠١١ ، وحتى بعد التحرير في انجاز عقد مؤتمر وطني سوري جامع وبآليات واضحة ، وقواعد ديموقراطية .