تلقت الشبكة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا والمنظمات الحقوقية والمدنية الكردية ببالغ القلق ما يسمى بـ”الإعلان الدستوري”، الذي جاء دون مراعاة مبادئ المشاركة الشاملة والتمثيل العادل لمكونات الشعب السوري كافة، ما يجعله غير مستوفٍ للمعايير الدولية لصياغة الدساتير القائمة على الإرادة الحرة للشعب.
إن هذا الإعلان، بصيغته الحالية، يتجاهل التنوع القومي والثقافي لسوريا، ولا يعكس التضحيات التي قدمها مختلف الأطياف السورية في سبيل الحرية والديمقراطية. كما أنه يفتقر إلى الضمانات الدستورية الكافية لحماية الحقوق اللغوية والثقافية والسياسية للمكونات غير العربية، ما يجعله خطوة غير مقبولة في مسار بناء سوريا ديمقراطية تعددية.
إن إقصاء الكرد ومكونات رئيسية أخرى من العملية الدستورية يعد انتهاكًا واضحًا للحق في المشاركة السياسية، المكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه يتعارض مع مبادئ العدالة الانتقالية، التي تقتضي إشراك جميع الأطراف في رسم مستقبل البلاد دون تمييز أو إقصاء.
إننا في الشبكة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا والمنظمات الحقوقية والمدنية الموقعة أدناه نؤكد رفضنا لهذا الإعلان الذي تم فرضه دون توافق وطني شامل، حيث يُفترض أن يكون الإعلان الدستوري المؤقت وثيقة تعكس مبادئ العدالة والمساواة، وتمهد لعملية دستورية ديمقراطية شاملة تضمن حقوق جميع السوريين دون تمييز. إلا أن هذا الإعلان، بدلاً من أن يكون خطوة نحو التأسيس لدولة القانون والمواطنة المتساوية، جاء ليكرّس الإقصاء والتهميش، متجاهلًا التنوع القومي والثقافي والديني في سوريا.
إن استبعاد الكرد وغيرهم من المكونات القومية والدينية من عملية إعداد هذا الإعلان يشكل خرقًا واضحًا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين يؤكدان على حق المشاركة المتساوية في الحياة السياسية والعامة. كما أن هذا الإعلان يتجاهل بشكل واضح مبدأ المساواة بين الجنسين، إذ يعيد إنتاج قوانين الأحوال الشخصية التمييزية التي تتعارض مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ويهمل ضمان مشاركة المرأة في عملية صنع القرار السياسي.
إضافة إلى ذلك، فقد أغفل الإعلان الدستوري المؤقت مبدأ التعددية اللغوية والثقافية، حيث لم يتضمن أي ضمانات لحماية وتعزيز اللغات والثقافات غير العربية، بما في ذلك اللغة الكردية، ما يشكل انتهاكًا للمعايير الدولية، ولا سيما الإعلان العالمي لحقوق الأقليات والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين يكفلان حق الشعوب الأصلية والأقليات في الحفاظ على لغاتها وهوياتها الثقافية وممارستها دون قيود.
إن استمرار ذلك يعزز من سياسات الإقصاء والصهر القسري، ويهدد التنوع الثقافي في سوريا، الذي ينبغي أن يكون عامل قوة لا مصدر تمييز أو تهميش.
إن الإعلان الدستوري الصادر حديثًا لا يستوفي المعايير الدولية للإعلانات الدستورية الانتقالية، إذ يتعارض مع المبادئ الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات، والتي تضمن حق جميع الشعوب في المشاركة المتساوية في الحكم، وحماية التنوع الثقافي واللغوي، وعدم التمييز.
وبناءً على ذلك، نؤكد رفضنا القاطع لهذا الإعلان، كونه لا يعبر عن إرادة جميع السوريين، بل يكرّس سياسات الإقصاء والتمييز، ويخالف مبادئ العدالة الانتقالية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي شدد على ضرورة صياغة دستور جديد عبر عملية سياسية شاملة تشمل جميع الأطراف.
لذا، فإننا نطالب بـ:
إعادة تشكيل اللجنة المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري، بحيث تضم خبراء قانونيين ودستوريين يمثلون جميع مكونات الشعب السوري، لضمان توافق الوثيقة مع مبادئ الدساتير المؤقتة، ومقتضيات المرحلة الانتقالية وفقًا لمعايير لجنة فينيسيا التابعة لمجلس أوروبا بشأن الدساتير المؤقتة.
وبناءً على المبادئ القانونية الدولية والممارسات الدستورية المعتمدة في الفترات الانتقالية، نؤكد على ضرورة الالتزام بالضوابط التالية لضمان عدالة وشرعية المرحلة الانتقالية في سوريا:
- عدم الاعتماد على الدستور السوري السابق كمرجعية قانونية للمرحلة الانتقالية، حيث إنه صيغ في ظل نظام استبدادي، ويتعارض مع متطلبات العدالة الانتقالية والمبادئ الديمقراطية المعترف بها دوليًا.
- إخضاع الإعلان الدستوري المؤقت لمبادئ القانون الدولي، لا سيما المعايير الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية والأقليات، لضمان حماية حقوق جميع المكونات السورية.
- تحديد مدة المرحلة الانتقالية بما لا يتجاوز المدد القانونية المتعارف عليها دوليًا، حيث يجب ألا تزيد عن أربع سنوات، مع ضرورة حصر الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية بسنتين فقط، بحيث تكون بمثابة بوابة للانتقال إلى وضع دستوري دائم ومستقر، وفقًا لممارسات العدالة الانتقالية المنصوص عليها في تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
- اعتماد نظام اللامركزية السياسية خلال المرحلة الانتقالية، كآلية لضمان مشاركة جميع المكونات السورية، ومنع تكرار سياسات التهميش والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، بما ينسجم مع المبادئ الواردة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
- تسمية الدولة بـ”الجمهورية السورية”، بما يضمن إرساء الاطمئنان الدستوري لجميع القوميات والمكونات، ويعكس التعددية والتنوع الثقافي السوري، انسجامًا مع المبادئ الواردة في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية.
- تقييد دور الإعلان الدستوري ضمن إطار مرحلي مؤقت، بحيث لا يتحول إلى دستور دائم أو أداة لمصادرة إرادة السوريين، أو تكريس الإقصاء والتهميش بحق المكونات القومية والأقليات، الأمر الذي يتنافى مع الإعلان العالمي للديمقراطية الصادر عن الاتحاد البرلماني الدولي.
- ضمان مشاركة المجتمع المدني السوري في جميع مراحل العملية الانتقالية، نظرًا لدوره الأساسي في تعزيز الشفافية، المساءلة، وضمان حقوق الإنسان، وفقًا لما نص عليه إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان.
- ضرورة وجود نصوص واضحة حول تشكيل السلطة القضائية، بحيث يتم فصل السلطات بشكل تام، ومنع أي تدخل من السلطة التنفيذية، لا سيما رئيس الجمهورية، في تعيين أو تشكيل المحكمة الدستورية العليا، بما يتوافق مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة.
إن تجاهل هذه المبادئ في أي إعلان دستوري مؤقت سيؤدي إلى تقويض العملية الانتقالية، وزعزعة الاستقرار، وخلق بيئة قانونية غير عادلة، ما يستدعي مراجعة شاملة لهذه الوثيقة، وإشرافًا دوليًا مباشرًا لضمان توافقها مع الشرعية الدولية ومعايير حقوق الإنسان.
قامشلو – سوريا
15 آذار 2025
- الشبكة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا
- منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف
- المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا (DAD)
- اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا – راصد
- منظمة الدفاع عن معتقلي الرأي في سوريا (روانكه)
- مبادرة جيان لمناهضة العنف ضد المرأة
- الحركة النسوية الكوردية/Tevgera Femînistên Kurd
- آسو Kurdische Gemeinde Herne e.V. Aso
- منظمة المجتمع المدني الكردي في اوروبا
- منظمة المراة الكوردية الحرة
- قوى المجتمع المدني الكوردستاني
- الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا
- اللجنة الحقوقية في اللقاء الوطني الديمقراطي
- الاتحاد النسائي الكردي في سوريا
- منظمة صحفيون بلا حدود
- منظمة صقور الميتان
- منظمة المراة الكوردية النمساوية للفن والثقافة
- التجمع الكوردي السوري في روسيا
- منظمة الجيوستراتيجي للمجتمع المدني الكوردي
- تجمع منظمات المجتمع المدني لكرد روجافا في اوروبا
- أصوات نسوية كردية
- مركز رشيد حمو الثقافي
- ممثلية اتحاد كتاب كردستان سوريا في اوربا